أمس 22 فبراير هو عيد الوحدة بين مصر وسوريا الذى شهد عام 1958 إعلان قيام الجمهورية العربية المتحدة التى تضم الدولتين وعاصمتها القاهرة ورئيسها جمال عبدالناصر.. الذكرى تبدو بعيدة ودلالاتها غير معروفة لأغلبية المصريين الذين تربوا فى عصرى السادات ومبارك على خطاب مصر أولا، و«المصريين أهمه.. حيوية وعزم وهمه» بعيدا عن العرب والعروبة، والعمل من أجل الوحدة العربية أو حتى التعاون العربى.
فى 22 فبراير 1958 ظهرت للوجود أول وحدة اندماجية بين دولتين عربيتين فى التاريخ الحديث، الكيان كان عملاقا بمقاييس التاريخ والاقتصاد والجغرافيا والمعانى والرموز، فقد حاصر إسرائيل وهدد المصالح الغربية لأنه كان يسعى لضم بقية الدول العربية فى دولة واحدة، والأهم هنا أن الجماهير العربية من الخليج إلى المحيط كانت مؤيدة ومتحمسة للوحدة العربية، لذلك فإن تجربة الوحدة واجهت كثيرا من التحديات والمؤامرات الداخلية والخارجية التى عجلت بانهيارها عام 1961 إثر انقلاب عسكرى فى سوريا، استغل أخطاء القيادة السياسية فى القاهرة ودمشق، واستفاد من الدعم الغربى الذى كان يقاتل باستماتة لتخريب وإفشال التجربة.
اليوم.. استرجاع ذكريات ودروس وحدة مصر وسوريا لا يعنى الدعوة إلى تقليدها أو إعادة إنتاجها وإنما يعنى إعادة الاعتبار إلى معانى وأهداف القومية العربية والمشروع الوحدوى فى ظل ما نعيشه الآن من تفكيك للمنطقة العربية وتقسيم لدولها، والحقيقة أن استخفاف الأنظمة العربية خلال الأربعين عاما الأخيرة بفكرة الوحدة العربية وعروبة شعوبها أدى إلى نمو النزعات القطرية الانفصالية، وانكشاف الأمن القومى العربى وإضعاف الدول العربية، فلم تتمكن أى دولة عربية منفردة من تحقيق استقلال حقيقى أو تنمية جادة وشاملة فضلا على الفشل فى مواجهة تحديات العولمة أو عربدة إسرائيل فى المنطقة وعودة أمريكا والدول الاستعمارية لاحتلال العراق وتدمير ليبيا وسوريا وانتهاك سيادة اليمن. وأعتقد أن تهميش الهوية العربية ومشروعات الوحدة والتعاون العربى كان من بين أسباب ظهور قوى الإسلام السياسى والقوى التكفيرية الإرهابية التى لا تؤمن بالوحدة العربية وتتآمر عليها برفع شعارات غامضة عن الوحدة الإسلامية، أدت عمليا إلى خدمة المخططات الإسرائيلية الرامية لتفكيك المنطقة وإعادة ترسيم حدودها على أسس طائفية وقومية وجهوية ودينية.
هزيمة مشروعات تقسيم وتخريب المنطقة تتطلب سرعة العودة لثقافة العروبة والعمل العربى المشترك على أسس ديمقراطية شعبية، لتحقيق وحدة عربية أو تعاون وتكامل عربى حقيقى تقوده الشعوب على غرار الوحدة الأوروبية، وقناعتى أن مصر مرشحة لقيادة هذا التحرك، والذى سيحقق أولا مصلحتها الوطنية ويضاعف من قدراتها على علاج أزمتها الاقتصادية والسياسية والأمنية، فلن ينصلح حال مصر إلا بالتعاون العربى ولن ينصلح حال العرب إلا باستعادة مصر لدورها العربى، وهنا أحذر الرئيس القادم من تأجيل ملف استعادة دور مصر العربى لصالح عودة الأمن وحل الأزمة الاقتصادية أو ملف مياه النيل، أى العمل بنظام الأولويات والقضايا المنفصلة عن بعضها، لأننى أعتقد أن كل الملفات والمشاكل متداخلة، ولا يمكن حل المشكلة الاقتصادية أو أزمة مياه النيل إلا بدعم عربى لمصر - لنراجع أهمية دعم العرب لنا بعد الإطاحه بالإخوان - ولا يمكن النجاح فى هذه الملفات إلا من خلال تقديم مصر لنموذج ديمقراطى وتنموى جاذب وملهم للعرب، وبالتالى على الرئيس القادم والفريق المعاون له ومؤسسات الدولة أن ترتب هذه الملفات وتضع أولوياتها بأساليب غير تقليدية تقوم على التزامن والتداخل والدمج بين المصلحة الوطنية المصرية والعربية، فالعروبة مكون أساسى من الوطنية المصرية ولا يمكن التمييز أو الفصل بينهما.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة