يعاود الآن الشعب الأوكرانى نضاله وكفاحه بعد عشر سنوات منذ بداية ثورته البرتقالية الأولى التى دوما ما كنا نستشهد بها منذ بداية الربيع العربى لنثبت أن الثورات يمكن أن تتعثر ويتم عرقلتها وتتراجع أحيانا وتقف أحيانا أخرى فتختلف الأدوات وتتنوع الآليات وليبقى الهدف واحدا، فقد بدأت الاحتجاجات فى أوكرانيا مع إعلان الرئيس الأوكرانى، فيكتور يانوكوفيتش، إرجاء استئناف اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبى، بدعوى أن ظروف البلاد ليست ملائمة لتوقيع الاتفاقية، ذلك الاتفاق الذى علق عليه الأوكرانيون الكثير من آمالهم عليه، فخرجوا إلى الشوارع والميادين للتعبير عن رفضهم للقرار وللمطالبة بالتوقيع رافعين شعارات تنادى بالانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وحاملين لافتات تؤكد أن أوكرانيا جزء من أوروبا، وأن الانضمام إلى الاتحاد سيضمن مستقبلا أفضل لأولادهم.
فى بداية الأمر تعاملت الحكومة الأوكرانية مع الأزمة بالنهج ذاته الذى طالما انتهجته الحكومات والأنظمة المستبدة فى تعاملها مع الاحتجاجات فسارعت باستخدام أدوات القمع والقهر التى تجسدها أجهزة الأمن الداخلى أو الشرطة، الأمر الذى أسفر عن وقوع اشتباكات بين الطرفين أودت بحياة ما يقرب من 50 شخصا. ومع استمرار تصاعد وتيرة الاحتجاجات، وتدخل أطراف خارجية فيها «روسيا، الاتحاد الأوروبى» واشتداد حدة الصراع باتت الأزمة تتجه إلى طريق مسدود، ولكن حدث ما لم يكن متوقعاً وبدا الأمر وكأن النظام الأوكرانى قد استوعب الدرس من احتجاجات وثورات الربيع العربى، فوقع الرئيس الأوكرانى، فيكتور يانكوفيتش، مع المعارضة اتفاقا لإنهاء الأزمة القائمة من خلال تقديم تنازلات كبيرة للمعارضة أبرزها إجراء انتخابات رئاسية مبكرة وتشكيل حكومة ائتلافية وإجراء تعديلات دستورية، وإلغاء قراره بالتخلى عن توقيع اتفاق الانضمام إلى الاتحاد الأوروبى وإعادة النظر فيه، ليصوت بعدها البرلمان لصالح العودة للعمل بدستور 2004 الذى يحد من سلطات الرئيس، ويمنح البرلمان الحق فى تعيين وزراء فى الحكومة.
وعلى الرغم من أن الاستجابة جاءت متأخرة فى عصر باتت السرعة هى أحد أهم سماته فإن تعامل النظام الأوكرانى مع الاحتجاجات مثّل استثناءً على قاعدة تعامل الأنظمة مع موجات الاحتجاجات التى شهدها العالم فى السنوات الأخيرة. وهنا نجد أن المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة هى ليست بدعة مصرية وليست خروجا عن الديمقراطية أو الشرعية الانتخابية فقد طلبها الشعب الأوكرانى عندما شعر بأن قرارات السلطة الحالية ستؤدى إلى انهيار البلد اقتصاديا حتى لو أتت هذه السلطة بالانتخابات وبالشرعية، إلا أن استمرارها كان يعنى كارثة حتمية لبلادهم، مثلما حدث فى مصر فاستمرار حكم مرسى كان يعنى أن نترك البلاد للإرهاب والإرهابيين أو للتقسيم وضياع الهوية والسيادة المصرية، فكان الحل المطالبة بانتخابات رئاسية مبكرة، وأن الاستجابة لمطلب الانتخابات الرئاسية المبكرة من الممكن أن ينقذ البلد من كثير من المخاطر وتكون الاستجابة بمثابة استمرار للآليات الديمقراطية وعدم الاستجابة مثلما حدث فى مصر لن يعلى صوت الفرد «الرئيس» على الشعب صاحب السلطة الحقيقية حتى لو أتى هذا الرئيس بالصندوق.
وتأتى تجربة أوكرانيا لتوضح كم من شعب قد يخدع فى رئيس ويصوت له، وبعد مدة قصيرة من حكمه يجد أن بلده ينهار ويجب أن ينقذه ولا يتأخر الشعب. ونقف أيضا عند الازدواحية للسلطات الغربية التى تساند المطالبة بالانتخابات الرئاسية المبكرة وتضغط من أجل توقيع اتفاقية بين الرئيس الأوكرانى والمعارضة الأوكرانية فى حين تصف ما حدث فى مصر عندما طالب الشعب ذلك وسانده الجيش بأنه انقلاب، هذه الازدواجية تحتم علينا أن نعى أن السلطات الغربية لا تؤيد الديمقراطية إلا فى حالة أن تصب فى مصلحتها أما إذا كانت هذه الديمقراطية ضد مصلحتها فتكون انقلابا.
ورغم كل ذلك يجب ألا نغفل تطور الأمور فى أوكرانيا، فالأحداث مستمرة الآن بين هروب الرئيس يانكوفيتش واحتلال المتظاهرين قصر الرئاسة، وأخيرًا إصدار قرار بالقبض على يانكوفيتش، الذى سنتوقف عنده مرة أخرى بعد أن تكتمل الرؤية ونستطيع تقييم وتحليل التجربة تقييما كاملا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة