مصر لم تعد بلد الأمن والأمان الذى يسهر فيه الناس فى الشوارع حتى الفجر دون خوف، وأفرزت الأرض عينة غريبة وشاذة من المجرمين والبلطجية، يندى الجبين لجرائمهم الوحشية، وآخرها مصرع الدكتور أحمد محمد عمارة أستاذ الرمد بطب قصر العينى وابنه «10 سنوات»، بينما لحقت بزوجته وابنه الآخر إصابات خطيرة، إثر هجوم بلطجية عليهم على المحور فانقلبت السيارة، وانقض المجرمون على القتلى والجرحى يسرقون النقود والحلى والموبايلات، ولم تأخذهم بالأصوات التى تئن وتصارع الموت شفقة أو رحمة.
والأغرب من كل ذلك أن السيارات التى كانت تمر على الطريق أسرعت بالهرب خوفا من القتلة، وباقى المسلسل معروف من تأخر سيارات الإسعاف والشرطة، وتجمهر الناس حول الحادث بعد فوات الأوان، وظهور الشهامة المتأخرة والمروءة الكاذبة لأولاد البلد، الذين تركوا هؤلاء الجناة يفرون فى أمن وأمان.
ليس حادثا فرديا أو استثنائيا أو عارضا، بل تتكرر كل يوم وكل ساعة حوادث تؤكد أن الوضع الأمنى فى حاجة إلى حلول سريعة وعاجلة.
ولا أزعم أننى أمتلك وصفة سحرية، إلا أن تخرج الدولة والأمن ووسائل الإعلام من مصيدة الإخوان المدمرة، حيث انشغلوا جميعا بجرائمهم وإرهابهم، وأُهملت كل الملفات الأخرى المهمة، فالإعلام يلهث وراء أخبارهم ويرقص على طبولهم والأمن مشتت فى الشوارع والميادين التى يتظاهرون فيها، والجماعة الإرهابية تنفذ مخططها بجر البلد إلى حرب استنزاف طويلة، تتطور وسائلها الإجرامية يوما بعد يوم، من السيارات المفخخة شديدة الانفجار حتى علب البيرسول المعدة بوسائل بدائية، فإذا سرقت سيارتك فلا تتعجب إذا نصحك ضابط الشرطة بأن تأخذ أصحابك وتبحث عنها، وفى حوادث الاختطاف كان السبيل الوحيد لإنقاذ الضحايا هو دفع الفدية، ويمتد الانفلات إلى مختلف المجالات.
أسهل شىء هو أن يحول كاتب المقال قلمه إلى كرباج يلهب به ظهر الشرطة، ويتهمها بالعجز والإهمال والتقصير، ولكن قبل ذلك: أين الشعب الذى يجب أن يقف فى ظهر الشرطة، بدلا من الخوف والجبن والاستسلام للمجرمين والجناة؟ ليس مطلوبا من الناس أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، ولكن على الأقل الإبلاغ عن المجرمين والتصدى الجماعى لهم، وأين الإعلام الذى يقع على عاتقه مهمة إيقاظ الوعى والمروءة والشهامة، وغير ذلك من الصفات المصرية الأصيلة التى ذهبت مع الريح؟ والأهم: هل يستطيع عسكرى الشرطة الغلبان الذى نراه فى الشوارع، التصدى لعصابات إجرامية مدججة بالآلى والطبنجات، والوحشية والهمجية والعنف والقسوة فى القتل والترويع؟
لم تعد الجريمة فى مصر الآن كما كانت فى السنوات السابقة، حرامى الغسيل والنشال فى الأتوبيس والعجوز التى تخطف الأطفال، ولم يعد الناس كما كانوا يهبون لنجدة المأزوم، وزاد الطين بلة بعد ثورة 25 يناير حيث أطبقت الجماعة الإرهابية على رقبة الوطن، فأضعفت الشرطة وأفسدت هيبة الدولة، وأغرقت البلاد بالأسلحة المهربة والإرهابيين الذين أطلقت سراحهم، وسعت إلى التخريب والفوضى للوصول إلى الحكم، وأضاعوا القيم النبيلة والمعانى الأصيلة التى كان المصريون يعتصمون بها فى مواجهة المخاطر والشدائد، ولله الأمر من قبل ومن بعد.