لم نكن نعرف ملكاً غيره، وكان عندما يقطع الشوارع الجانبية يتلقى تحايا محبيه كأنهم رعيته، ابتسامته الصافية تسبقه وهو يتقلع فى خطواته، إذا تكلم وهو يركض ترتفع عصاه عن الأرض ويستخدمها كأنها أحد أصابعه، عند عودته فى المساء إلى بيته الذى نصب رجب عربة الكبدة جنب مدخله (قبل تحقيق حلمه السياسى)، يكون أحدنا معه، يذهب أولا إلى سوق باب اللوق ليرش البهجة بتوبيخه المحبب للخضرى والفران وبائع الزبادى.
لم يلتفت لكلام الأطباء الذين منحوه من الحياة ستة أشهر بحد أقصى، كان يدخن ويفعل ما يحلو له ولكنه ابتعد عن كل أنواع اللحوم، إذا قرر السهر نسهر معه، فى عامى و91 و1992 كان الروس يبيعون متعلقاتهم الشخصية فى بعض ميادين القاهرة، كانت تستهويه ساعاتهم، نشتريها له، يرمى تروسها ويحتفظ بالظرف ويلفق له «مكنة» قديمة، أيامها كان يجلس إلى المرآة ويرسم نفسه، رسم نفسه صبيا وشابا وعجوزا، يعلق اللوحات فى غرفة نومه، كان يقول إنه يحاول الإمساك بملامحه، كان يرفض بيع بعض أعماله، بينها بورتريه رسمه للفنان عمر الفيومى، الرسامون كانوا يعتبرون اعترافه بموهبتهم انتصارا يستحق الاحتفال، لم يكن صاحب سلطة، ولكنه كان يمتلك كل السلطات، لم يرقد على فراش المرض طويلا، خمسة أيام فى المستشفى، عاد بعدها إلى البيت، ظل فى غرفة الساعات (العمليات) أسبوعا، يخرج فقط ليأكل شيئا أو يرد على التليفون، ودخل غرفته مثل هذه الأيام سنة 1996.. ونام.
عندما فتح أقاربه الغرفة بعد تشييع جثمانه، وجدوا أكثر من تسعين ساعة مفككة، وكل واحدة تتناثر تروسها ومحتوياتها على ورقة بيضاء مكتوب عليها ماركة الساعة وتاريخ صناعتها.. الملك فعل هذا، وهو الوحيد رحمة الله عليه الذى كان يعرف لماذا؟