سمعت آخر تسريبة؟. سؤال حل مكان السؤال المصرى الشائع «سمعت آخر نكتة؟». جدل فى كل الأنحاء والأجواء، عن التسريبات السياسية والإعلامية والإخبارية التى أصبحت الوجبة الرئيسية لفيس بوك وتويتر والتوك شو، والشو بدون توك ولا كلام أو سلام.
كل هذا الجدل فى الواقع حول ما يصح ومالا يصح، وما يجوز أو لايجوز، كله يدخل فى سياق الفرجة والدردشة، والبحث عن طريقة يثبت فيها كل طرف أنه يعرف أكثر، بينما لا يعرف أكثر مما هو مسرب.
حتى الأنباء العادية، يتم تشكيلها لتصبح تسريبة، يفضلها المتفرج والمستهلك.
وفى هذا السياق نجد فيديوهات عادية منسوبة للمشير السيسى
يقول فيها كلاما عاديا عن الوضع فى سيناء، أو ما تحتاجه مصر من عمل شاق، لو عرض هذا باعتباره كلاما عاديا، لن يجد زبائن. بينما عرضه باعتباره تسريبا يضاعف من التشويق. وتجد بعض كبار المعلقين والمحللين يمارسون التحليل بكل جدية.
وفى السياق نفسه، نرى كبير المسربين وهو يعلن عن كنوزه فائقة القوة من المسربات، لنشطاء أو سياسيين، وهم يدردشون مع بعضهم، يصف سياسى زميله بأنه حمار، أو ناشط لزميله بأنه «زير»، ويتم التقديم لهذه التسريبات بأنها قنابل سياسية.
وطبعا بعد فترة تفقد التسريبات قوتها التشويقية، فيضطر صاحبنا المسرباتى لاستخدام المقدمات المهولة، لتحلية البضاعة. بينما المعروف أن كل سياسى يرى منافسه أو خصمه مجرد «حمار»، فالأمر يصبح أحلى من التسريب.
وبينما ينشغل هواة الفرجة بالتسريبات وإعادة تحليلها، يبتعد الجمهور عن القضايا المهمة، التى لاتحتاج للتسريب، ويكفى أن تعلم أن وفاة مايقرب من 30 بالأنفلونزا، خلال أسبوع، كارثة لاتحتاج لتسريب لنعرف خطورتها. وربما لو تم تسريب الخبر وليس إعلانه، لوجد من يهتم به ويركز عليه.
لقد أصبحنا أمام تسريبات تكتيكية، وأخرى استراتيجية، لكن الأهم أن الأغلبية تشجع مثل هذا التسريب، خاصة لو تعلق بخصوم وليس بأصدقاء،بينما يخرج البعض ليعتبر التسريب ضد خصومه حلالا وضد أصدقائه حراما.
ويصبح التسريب بناء على طلب الجماهير، التى أصبحت تفضل الأخبار المسربة، وترفض الأخبار العادية، تماما مثل تلميذ يمكن أن يقضى ساعات فى صنع براشيم للغش، مع أنه لو استغل نصف الوقت للمذاكرة لكان أجدى.
وفى هذه الأجواء «التسريبية» يفضل الكاتب تسريب مقاله، والسياسى تسريب خبره، وربما نرى باعة الصحف يصرخون «إقرا آخر تسريبة».