سليمان شفيق

الأقباط وانتخابات الرئاسة القادمة

السبت، 08 فبراير 2014 06:53 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أثارت كلمات القمص بولس عويضة هواجس ومخاوف قطاعات كبيرة من الشباب القبطى، الأمر الذى استدعى فى الذاكرة الشبابية القبطية أوجاعا كثيرة، وفى مقدمتها مذبحة ماسبيرو، كما حركت لدى بعض النخب القبطية إشكالية هيمنة الإكليروس على المدنيين الأقباط طوال الـ40 عاما الماضية، وكان عويضة المثير للجدل بأفعاله السابقة وخاصة عندما خلع الفراجية «زى الكهنوت» وقبل أن يتم تفتيشه ذاتياً أثناء دخوله لأحد الفنادق الكبرى بالقاهرة، والذى عاد ليثير الجدل مرة أخرى بتعليقه على ترشح المشير عبد الفتاح السيسى لانتخابات الرئاسة، حيث قال عويضة «عندما أنظر إلى صورة المشير السيسى، أذوب عشقًا وحبًا فيه، ونساء مصر معذورات جميعهن».
ورغم أن قطاعات كبيرة من الرأى العام القبطى تزيد على الـ%90 تؤيد المشير عبد الفتاح السيسى، فإن مزيدا من القلق والارتباك يسود النخب القبطية، الأمر إلى يدعونا أن نتوقف أمام الحالة القبطية الراهنة من خلال بوابة التاريخ.
الأقباط والجيش.. قصة تحرر ودماء:
وبدأت علاقة المسيحيين بعد أن أعفى محمد على من الجزية كل من عمل فى الترسانة البحرية، وفى 1854 أسقط الخديو سعيد الجزية عن المسيحيين، وفى عام 1856 صدر الأمر العالى ينص على أن أبناء المسيحيين سوف يدعون إلى حمل السلاح أسوة بالمسلمين، وبذلك عرف المسيحيون المواطنة من بوابة الجيش.
ومن بناء الدولة الحديثة بسواعد الجيش، واستحقاق المواطنين المصريين المسيحيين للمواطنة عن طريق خدمة الجيش، إلى البدايات الجنينية لتشكل وعى الأمة «مصر للمصريين»، وذلك بعد أن وقف عرابى وقفته الشهيرة فى وجة الخديو توفيق، وكان الجيش المصرى حينذاك مصدر إلهام للمصريين ومصدر قلق للقوى الأوربية الحديثة، والتى تكالبت من قبل لتحطيم الأسطول فى معركة «نفارين» كان تحالف عرابى العسكرى ابن الطبقة الوسطى، وأحمد عبيد ابن الطبقات الوسطى الدنيا، والبارودى ابن الأرستقراطية، ومعهم الفقير النديم، بل لقد وقف بجوار عرابى البابا كيرلس الخامس، وتربص له الإنجليز ونفوه إلى دير البراموس، بعد أن تقدم بشكوى ضده بطرس غالى الكبير وكيل المجلس الملى وصديق المحتلين 1890، وهكذا كان عرابى والنديم أقرب للبابا كيرلس من بطرس غالى!!
فى الثورة العرابية وقف الجيش المصرى الذى يضم مسلمين وأقباطا يساند عرابى الذى حاول إبعاد النفوذ الأجنبى ومقاومة طغيان الخديو توفيق، وإذ أصدر الخديو أمرًا بعزله، طلب عرابى من يعقوب سامى باشا أن يدعو إلى عقد الجمعية العمومية، فاجتمعت فى وزارة الداخلية يوم السبت 22 يوليو 1882 حضر الاجتماع نحو خمسمائة من كبار المصريين فى مقدمتهم شيخ الأزهر والبابا كيرلس الخامس لتؤيد عرابى. وعلى المستوى الشعبى قدم الأقباط مع المسلمين المؤونة للجيش، وانهالت التبرعات لمساندته ليقف أمام الزحف الإنجليزى، ورغم الوطنية المفرطة للقبط والبابا فى تأييد عرابى فإن ذلك لم يشفع لهم ونالهم العقاب الجماعى وخرج عليهم المسلمون المتطرفون بالسلاح فى الإسكندرية لكونهم فقط مسيحيين وقتلوا منهم المئات، فى عقاب جماعى على وقفتهم مع من رأوه «الخائن» عرابى من جهة، وأنهم على دين المحتل الإنجليزى من جهة أخرى.
الأقباط من الاتحادية إلى التفويض إلى السيسى:
ومن عرابى إلى السيسى مرورا بموقف المسيحيين المؤيد لناصر، وبالطبع لم يكن كل من خرجوا فى 30 يونيو 2013 لإنهاء حكم الإخوان فى مصر جميعهم من المسيحيين، المصريون من كل الفئات والطوائف خرجوا لإنهاء ذلك الكابوس القابع على أنفاس الوطن، ولكن المسيحيين المصريين حملوا معهم هما إضافيا، وهو ما يضمره الإخوان داخلهم لهم، وما الذى سوف ينتظرهم فى حال تمكين الإخوان من جميع مفاصل البلاد.
ولبى الأقباط نداء الوطن وساهموا فى إسقاط الإرهاب عن عرش مصر، وكانوا كالجنود فى وقت الحرب على أهبة الاستعداد حين دعا السيسى جموع المصريين للنزول لتفويضه لمحاربة الإرهاب، وامتلأت الميادين بالمصريين وبينهم الأقباط، وكالعادة عاقب الإخوان الأقباط على تأييدهم لعرابى الجديد «السيسى» وحُرقت كنائسهم وسالت دماؤهم، ونهبت ممتلكاتهم، وكما وقف كيرلس الخامس مع عرابى، وكيرلس السادس مع ناصر، وقف تواضروس الثانى مع السيسى، وقال قولته المشهورة: «حرق الكنائس جزء من ثمن نقدمه لبلادنا».
وها هم الأقباط الآن وبلا أدنى مبالغة إن قولنا إن ما يزيد على %90 من قوتهم التصويتية فى الانتخابات ستتجه إلى صالح المشير عبد الفتاح السيسى فى حال ترشحه لانتخابات الرئاسة.
ولكن ماذا عن الـ%10؟
مخاوف قبطية مشروعة:
لدى الكثير من المسيحيين وخاصة المنتمين منهم إلى حركات سياسية وخاصة اتحاد شباب ماسبيرو، وكما يقول مينا سمير القيادى فى اتحاد شباب ماسبيرو: هناك لدى البعض مخاوف مشروعة، ويتردد بين بعض الشباب القبطى، ما هو مصير القضايا العالقة مثل حادث تفجير كنيسة القديسين ومذبحة ماسبيرو؟ وما الضمانات التى سيقدمها السيسى لتطبيق فعلى للمواطنة؟ وكيف سيتعامل مع التهميش والتمييز ضد الأقباط؟ ويجب أن يتضمن برنامجه الانتخابى فى حال ترشحه للرئاسة إجابات عن كل تلك الأسئلة حتى نستطيع أن نواجه ضمائرنا حين نوجه له أصواتنا.
نحن أعلنا عن موافقتنا على الدستور، بالرغم من وجود الكثير من المواد التى كنا نطمح أن تكون أفضل، ولكن تقديرنا لوضع البلاد هو ما جعلنا نصوت بنعم للدستور، وكأى فاعلين سياسيين ننتظر أن يقوم القائمون على أمور البلاد بالالتفات إلى مطالب الأقباط، فنحن مصريون وهذا وطننا وهذه حقوقنا.
لكن الكبار يخشون من هيمنة الإكليروس!!
انقسم الرأى العام القبطى حول موقف قداسة البابا تواضروس الثانى الذى دعا المصريين إلى التصويت بـ«نعم» على الدستور وقال جملته الشهرة «قول نعم.. تزيد النعم»، البعض «وأنا منهم» تفهم موقف البابا على أنه جزء لا يتجزء من وطنية الكنيسة تاريخيا وعلى الشراكة بين البابا والسيسى والأزهر منذ 30 يونيو، والبعض الآخر التبس عليه الأمر والخلط بين الدين والسياسة، وتقول الكاتبة منى ثابت فى رسالة تعاتب بها البابا على تصريحه بشأن التصويت بنعم للدستور «جانبك التوفيق يا قداسة البابا فى اختيار العنوان وفى التوجه.. وسلكت بهذا المقال طريق مرشد الإخوان الإرهابيين.. صحيح أنك لم تأمر أو توجه شعبك لتكفير الآخر وسلبه وقتله، بل طالبت المسيحى بالمشاركة.. لكنك بتوجيهه إلى اختيار (نعم) تعيده إلى حظيرة الطاعة العمياء لسلطة الكهنوت»!!
كذلك تناقلت وكالات الأنبا والمواقع وصفحات التواصل الاجتماعى بيانا جاء فيه: «أصدر قداسة البابا تواضروس الثانى قرارا باباويا يأمر فيه الأحبار الأجلاء وأيضاً الآباء الكهنة، وكل من له رتبة كنسية بعدم الدخول فى المعترك السياسى» ولكن بعد ذلك اتضح أنه لم يصدر!! وكذلك لم تنفة الكنيسة، الأمر الذى يشير إلى قلق البعض من عودة الأكليروس للإنابة عن المواطنين الأقباط؟!!
الهروب القبطى للانتخابات البرلمانية:
وسط هذا الحراك القبطى- القبطى، لاحظت أن د. مينا مجدى المنسق العام لاتحاد شباب ماسبيرو صرح فى لقاء الرئاسة مع الشباب أن اتحاد ماسبيرو مع أولوية الانتخابات البرلمانية عن الرئاسية، وأعزى ذلك فى حوار معى بأن انتخاب الرئيس قبل البرلمان يزيد من مخاطر التوغل فى سلطات الرئيس على حساب السلطة التشريعية، والطريف أن رأى ماسبيرو توافق مع رأى حزب النور السلفى الذى طرحة فى ذات اللقاء نادر بكار، ورغم أن أكثر من %90 من الأقباط مع الرئاسية أولا... فإن استطلاع الرأى الذى أجريته على خمسمائة قبطى وقبطية فى خمسة محافظات اكتشفت أنهم مع أولوية الانتخابات الرئاسية من أجل المشير السيسى، وإذا ربطنا ذلك بمؤشر آخر وهو أن قيادات قبطية من المجلس الاستشارى القبطى جل عملها الآن هو الاستعداد للانتخابات البرلمانية، وتقديم الأسماء والدوائر من الآن سواء لأحد الأحزاب التى أسسها عسكريون متقاعدون أشاعوا عن أنفسهم أنهم مقربون من السيسى، أو لقيادة نسائية ارتبطت بأوساط سياسية قريبة من الجنرال أحمد شفيق، بل إن د. مينا مجدى المنسق العام لاتحاد شباب ماسبيرو قد صرح لـ«اليوم السابع» بأن «أربعة أعضاء من الاتحاد سيخوضون الانتخابات البرلمانية القادمة».
إنابة الكنيسة عن الأقباط بموافقة الدولة:
رغم أن المواطنين الأقباط قد خرجوا بالكنيسة للوطن بعد 25 يناير 2011، وانضموا للحركات والأحزاب السياسية، بحيث يبلغ تواجدهم فى قيادة حزب المصريين الأحرار أكثر من %30 وحوالى %23 من قيادة الحزب المصرى الديمقراطى الاجتماعى، فإن معظم تلك القيادات عادت من جديد إلى محاولة خلق كيانات مستقلة كجماعات ضغط على أساس دينى، ومن جهة أخرى تراجع البعض عن رفض كون الأقباط «أقلية» وعقدوا مؤتمرا فى أحد الفنادق يطالبون بـ«الكوتة»، الأمر الذى دعا البابا حينذاك لرفض مطلب الكوتة، كل ذلك الارتباك فى النخب القبطية، وسعى قطاع منها لمصالح سياسية، جعل الدولة تتجه إلى الحوار مع الشباب مثلما مثلت شخصيات منهم فى أكثر من لقاء رئاسى: «د. مينا مجدى، جون طلعت، د. رامى عطا، رشا ارنست، وآخرين» أو بشكل مباشر مع قيادات شابة وطنية مثل د. عماد جاد، وكمال زاخر من جهة أو الاعتماد على الكنيسة والبابا من جهة أخرى، وهكذا أحيت الدولة إنابة الكنيسة كممثل عن الأقباط، وتجددت النخب القبطية القديمة التى استنفدت مرات الرسوب بقيادات شابة أخرى لم يعرف عنها حتى الآن تكالبها على المصالح الشخصية، يحدث ذلك والمواطنون الأقباط يحلمون بأن يأتى المشير السيسى بالأمان والعيش والحرية والعدالة الاجتماعية.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة