عادت الأنفلونزا لتفرض نفسها علينا، ومازلنا نرى كثيرًا من التصريحات والمؤتمرات، فى الداخل والخارج، حول الأنفلونزا التى تنتشر وتقتل وتنتشر بلا إجابة، وهل هى موسمية، أم أنها خنازير وطيور، ومن يجب أن نصدق، وزارة الصحة المحلية، أم منظمة الصحة العالمية؟.. وزارة الصحة تقول إنها الأنفلونزا الموسمية، ويرد أطباء ليحذروا من وجود أنفلونزا الخنازير والطيور، أو على الأقل فيروسات متحورة تمثل خطرًا، وكل هذا يتزامن مع انتشار واسع لأعراض الأنفلونزا، آلام فى الجسم، وجفاف فى الحلق، وتكسير العظام، وسعال وسخونة، وهى أعراض تشترك فيها كل أنواع الأنفلونزا، ولا يعرف المواطن المريض ماذا يفعل، وهل عليه أن يجرى تحليلاً ليكتشف ما إذا كانت الأنفلونزا موسمية أم متحورة؟
عالميًا نقرأ يوميًا تصريحات عن تحور فيروسات أنفلونزا الطيور والخنازير، وظهور سلالات قاتلة، بينما كبار الأطباء يقولون إن الأنفلونزا تقل عدة آلاف سنويًا، وإن فيروس الأنفلونزا يتحور فى السنة الواحدة عشرات المرات.
فى عام 2009 قالت منظمة الصحة العالمية إن أنفلونزا الخنازير خطيرة ومرعبة، وتبارت الصحافة والإعلام فى متابعة الرعب.. قالوا إن الفيروس وصل إلى الدرجة الخامسة، وفى انتظار السادسة، ولو وصل للسابعة ستكون البشرية مهددة، وهو ما يجعل نصف البشر ميتين نظريًا.
الأنفلونزا تصيب الإعلام قبل الدجاج والخنازير، وعدوى الرعب تتجاوز أحيانًا عدوى المرض، والزن على الآذان والعيون أشد من السحر والفيروس.
يومها كاد البشر يشعرون كأن حربًا عالمية ثالثة ستقوم، ولم تظهر سوى شبهات وشكوك وتوجسات، ويومها قلنا إنه «إذا أصيب خنزير مكسيكى بالأنفلونزا عطس له العالم.. وإذا ماتت فرخة صينية ترتج جدران الصحة العالمية»، هناك من يقول إن الأنفلونزا كانت فى بعض الأحيان قاتلة قبل الطيور والخنازير، وأشهر انتشار وبائى للأنفلونزا كان عام 1918، وقتل 40 مليون شخص فى العالم، وحتى ذاك الوقت لم يكن الفيروس معروفًا، وبعدها نشطت البحوث، وتم اكتشاف الفيروس عام 1933.. يقولون إن الأنفلونزا فيروس قاتل فى كل الأحوال، وربما يستهين به المصريون لأن لهم مع المرض قصصًا وروايات.. يعرفون أن فيروس الكبد الوبائى يقتل 30 ألفًا سنويًا، وأمراض القلب والسرطان تلتهم عشرات الآلاف، وبالتالى يريدون أن ترفع حالة الطوارئ فى مواجهة هذه الكوارث الصحية، مثلما ترفع مع الأنفلونزا.. طبعًا هم يخافون الأنفلونزا، لكنهم يرونها فى سياق الاحتمالات، بينما الأمراض المؤكدة تتجاوز «المسألة الأنفلونزية» إلى المسألة الواقعية.