الإسكندرية تستغيث بأصحاب الضمائر لإنقاذها من تتار الفساد والسطو على التراث المعمارى والتاريخ الحضارى للإنسانية فى عروس البحر الأبيض المتوسط. معاول التشويه والهدم ومحو تاريخ المدينة تلتهم المخزون الثقافى والتاريخى، والكل صامت على الجريمة الكبرى، ويطالع فى عجز مريب ويشاهد كيف تتحول آثار الإسكندرية وتراثها إلى أثر بعد عين وتحل الأبنية الحديثة البشعة محل الأماكن التاريخية والتراثية بأنماطها المعمارية البديعة منذ العصر الإغريقى واليونانى وحتى العصر الإسلامى، وتعلو الأبنية الشاهقة القبيحة فوق آثار تاريخية وفلل وأبنية بديعة منحت المدينة طابعها المميز والفريد من بين مدن ساحل البحر المتوسط فى أوروبا والشرق الأوسط.
ما يجرى منذ 25 يناير 2011 فى الإسكندرية من بلطجة وعدوان على تراث المدينة من مافيا المبانى جريمة إنسانية بشعة يشارك فيها كل المسؤولين فى الدولة بلا استثناء، وفى المقدمة منهم محافظ الإسكندرية الحالى، والسابق، والأسبق، فقد قضت البلطجة على مبانى وفيلات ودور سينما يرجع تاريخها إلى مئات السنين، مثلما حدث مع سينما ريالتو وفيلا الكاتب الانجليزى لورانس داريل صاحب «رباعيات الإسكندرية» الشهيرة فى منطقة محرم، وعشرات القصور والمسارح والمقاهى التاريخية والتراثية، ولم يستطع مسؤول واحد مواجهة هذه المافيا رغم صدور آلاف قرارات الإزالة – أكثر من 29 قرار إزالة لم تنفذ حتى الآن- والآن يأتى الدور على فيلا «جوستاف أجيون» فى منطقة وابور المياه التى امتدت إليها معاول الهدم، لولا صرخات الشرفاء من أبناء المدينة العاشقين لتراثها وشوارعها وحواريها ورائحة يود البحر فيها، فصدر أمر المحافظ بوقف البناء.
الاحتجاج على مذبحة بل مجزرة التراث والتاريخ فى الإسكندرية جاء من خارج مصر، من باريس التى أبدت استنكارها لما يحدث ضد فيلا أجيون والتراث الثقافى فى مدينة الإسكندر الأكبر التى كانت فى وقت ما، وفى زمن آخر، منارة للعلم والمعرفة فى العالم، ومدينة تعايشت فيها ثقافات العالم وامتزجت فيها حضاراته المتنوعة والغنية.
فى عام 1988 وفى وقت مبكر أطلق المبدع أسامة أنور عكاشة صرخته المدوية لإنقاذ مدينة التراث والتاريخ فى رائعته «الراية البيضاء»، التى حذرت مبكراً من هجوم الجهل، وسلطة المال، ونفوذ السلطة على أعز ما تملك مصر، وهو التاريخ والحضارة مجسدا فى الإسكندرية. فهل نستمع بعد 26 عاماً إلى صدى صرخة أسامة، ونتحرك لإنقاذ المدينة قبل فوات الأوان؟