الانتقادات التى وجهها البرلمان الأوروبى لمصر قبل يومين تدخل ضمن الإصرار الغربى للسيطرة على مصر واستنزاف مواردها وطاقتها، حيث لا يمكن فهم هذه الانتقادات دون الإطلال سريعًا على العلاقات المصرية ــ الأوروبية عبر القرون الأخيرة على الأقل.
لعلك تعلم أن أوروبا أطلقت تسع حملات صليبية لاسترداد بيت المقدس فى العصور الوسطى، لكن من المهم هنا الإشارة إلى أمرين: الأول يتمثل فى (مذكرة غزو مصر) التى كتبها الفيلسوف الألمانى ليبنتز عام 1672، وقدمها إلى لويس الرابع عشر ملك فرنسا آنذاك مؤكدًا فيها (أن مفتاح القدس فى القاهرة).
أما الأمر الثانى فهو إقدام نابليون على تنفيذ خطة ليبنتز بعد 128 سنة، حيث كلنا يعلم أن الحملة الفرنسية وصلت الإسكندرية فى يوليو 1798، وسيطرت على مصر لمدة ثلاث سنوات، حتى أجبرت على الرحيل فى عام 1801، وبعد ذلك بأكثر من ثمانين عامًا سقطت مصر فى فخ الاحتلال الإنجليزى الذى استمر إلى ما يزيد على 72 سنة!
إذن.. مصر كانت مطمعًا دائمًا للقوى الكبرى وما زالت، والمحاولات الحثيثة الذى بذلها عبدالناصر لترسيخ الاستقلال الوطنى وتعزيزه تبخرت مع السادات، وديس على الاستقلال بالأحذية الأمريكية مع مبارك ومرسى، وها هى أوروبا – مستندة على الظهير الأمريكى – تنتقد بشدة الحكومة الحالية!
المشكل الكبير الذى نواجهه أن القوى الكبرى ليست احتلالا واستعمارًا ونهبًا لخيرات البلد فحسب، إذ إن علينا الاعتراف بأن أوروبا قدمت للعالم كله المعارف الحديثة والعلوم والتكنولوجيا والتطور الصناعى والآداب والفنون والقوانين الاجتماعية، وأظنك تدرك تمامًا أننا نعيش الآن على ثمار التكنولوجيا الغربية، فكل ما تستخدمه حضرتك فى حياتك اليومية هو من ابتكار وتصنيع أوروبا وأمريكا، لأننا – بصراحة – لم نخترع أى شىء ذى قيمة منذ ستة قرون على الأقل، وبالتالى لا نستطيع عمليًا أن نقطع صلتنا بالغرب، فكيف يمكن لنا أن ندير هذه العلاقة الحرجة والحساسة دون أن نفقد استقلالنا، ودون أن نخسر المعارف والعلوم والتكنولوجيا الغربية؟ غدًا نواصل بإذن الله!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة