بقالك قد إيه مشفتش عزازى؟
هكذا بادرنى صديقى الكبير سعيد الشحات، بعد أن علم بأمر مرض صديقه المقرب، فأجبته بأننى رأيته منذ ما يقرب من شهر، فقال لى: طب حاول تكلمه وتطمن عليه عشان عيان، ومش عايز يقول لحد، وحالته متأخرة.
دار هذا الحديث منذ بضعة أشهر، وبعدها حاولت مرارًا أن أهاتف العزيز «عزازى على عزازى» لكن الهاتف كان مغلقاً، مضت أيام لم أحسبها، ثم قابلته مصادفة جالسا مع أصدقائه، وجدته كما هو، بشوشًا مبتسمًا، والحياة تدب من عينيه تكاد تغيظ الموت، وتسخر من المرض، لم أعاتبه على الغياب ولم ألح فى السؤال عن صحته، وتقدر أن تقول إننى نسيت بالفعل أمر مرضه، أحضرت له نسخة كان قد طلبها من ديوانى الشعرى بعد أن قرأ عنه مقالاً فى إحدى المجلات العربية، وقال لى متألماً «الشعر هو اللى باقى.. يلعن أبو السياسة».
فجأة تذكرت أمر مرضه حينما علمت أنه سافر لتلقى العلاج بالخارج، وقد كنت على يقين من أنه سيعود كما كان، طويلاً باسماً منفعلاً ضاحكاً وحازماً، يلعب الطاولة مع «جمال العاصى» ويضرب بقوة، فيقع الزهر على الأرض ويقول لسيد الطوخى: شغلتك طول ما أنت قاعد معانا أنك تجيب لنا الزهر لما يقع لحد ما تتعلم اللعب.
بالنسبة لى، كان عزازى على عزازى حالة جديرة بالتأمل، فقد كان ناقدا نابها وسياسيا مناضلاً فى آن، لم تقدر السياسة يومًا على أن تنسيه حبه الأصيل للأدب، ولم يقدر الأدب يومًا على أن ينسيه نضاله السياسى المتتابع، كان مزيجًا مدهشًا من النظرية والتطبيق، لم ينعزل عن العالم الواقعى وهو يقرأ الأدب، ولم ينغمس فى التفاصيل المخزية وهو يمارس السياسة.
مات المناضل الأديب، ورغم أنى أؤمن تماما بقضاء الله وقدره، لكنى حتى الآن أشعر بأن فى الأمر خدعة «ما» متخيلاً أننى سأراه يومًا على إحدى مقاهى القاهرة يضرب الزهر بقوة وزهو، أو يرتشف آخر رشفة من كوب الشاى بالحليب، أو يقرأ ديوانا شعرياً لم ينهه لاعناً «أبو السياسة» وأمها.