السينما والإرهاب

إذا أردت أن تعرف كيف انتشر الإرهاب فى الأعوام الأخيرة، فابحث عن السينما، وإذا حاولت الكشف عن سر رواج الأفكار الفاسدة، فاحسب عدد دور العرض فى مدينتك، وإذا أتعبك ذهنك فى التوصل إلى تفسير مقنع بخصوص زيادة معدل قلة الذوق لدينا، فليس سوى السينما تقدم لك الإجابة.

إذا كنت قد تجاوزت الخامسة والأربعين عامًا، فرجاء.. تذكر كم دار عرض كانت فى مدينتك أو الحى الذى تقطن فيه، وما مصير هذه الدور الآن؟ حتى ثلاثين سنة خلت كانت مصر كلها تقريبًا تتمتع بوجود دور عرض فى معظم أحيائها ومدنها الصغيرة والكبيرة، وكان الصبيان والشباب يحرصون على ارتياد هذه الدور ومشاهدة الأفلام، وأنت خير العارفين أن فن السينما يلعب دورًا بالغ الأهمية فى تثقيف الناس وتهذيبهم إذا كان الفيلم جيد الصنع محكم البناء، وهذه كانت سمة غالبة على السينما المصرية منذ نشأتها.

لكن حين تحالف الرئيس السادات مع جماعة الإخوان وأنصارها بدأت الدولة تنسحب تدريجيًا من الاهتمام بالسينما ودعمها ورعايتها (فى الستينيات أنتجت الدولة مجموعة بديعة من أجمل الأفلام منها مراتى مدير عام/ الزوجة الثانية/ القاهرة 30)، ثم هدمت دور العرض تباعًا وتحولت إلى جراجات فى عهد مبارك، وبدلا من أن يذهب الصبى أو الفتى إلى السينما ليتزود بجرعة فنية ثقافية ممتعة، بات يتردد على الزوايا والمساجد الصغيرة التى انتشرت كالسرطان بعيدًا عن إشراف الأزهر وما يمثله من فكر دينى رشيد ومستنير، حيث يسيطر على هذه الزوايا أصحاب الفكر المتشدد والأفكار المعطوبة.

من هنا بالضبط امتلأت عقول الفتيان بأكبر حزمة من التصورات المرعبة عن الدنيا والدين والبشر، خاصة مع تمدد الفقر وانسداد أفق الأمل فى مستقبل أفضل فى ظل النظام البائس لمبارك. وهكذا أيضا تلوثت عقول المصريين بأفكار تعيسة تحرم كل شىء وتعادى كل مختلف وتكره المرأة والمسيحى والغريب. يا حكومة محلب.. إذا كنت جادة فى مواجهة الإرهاب، وترغبين فى اقتلاعه من جذوره فأعيدى للسينما المصرية بهاءها المفقود، ودعمى هذه الصناعة التى كانت ثانى أهم صناعة فى مصر فى زمن ولى، واعلمى أن الفيلم أقوى ألف مرة من الرصاصة!