فى الجدل الذى أثير حول تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، تختلط الأخطاء بالأهواء، ويتبارى كالعادة قانونيون وسياسيون فى الدفاع عن وجهة نظرهم، لكن الملاحظ أن بعضها يتحدث وفى الخلفية المرشح الذى يؤيده، مما يفقد هذا الجدل رصانته ونزاهته فى نفس الوقت.
الذين يدافعون عن التحصين، يتحدثون عن أنه ليس من المنطقى أن تتعرض العملية الانتخابية لطعون قضائية تؤدى إلى تأخير الانتخابات، وقد يؤدى ذلك إلى التشكيك فى من يشغل منصب رئيس الجمهورية، وهذا ظاهر منطقهم، لكن باطنه هو يقينهم بأن نتيجة الانتخابات محسومة مسبقا، وخطر هذه الرؤية فى أنها لا تحترم الدستور الذى صوت له الشعب المصرى، والذى ينص صراحة فى المادة 97 على منع تحصين أى عمل أو قرار إدارى، وبموجب ذلك يتصادم قانون الانتخابات الرئاسية مع الدستور.
دفاع «التحصين» يغفل حقائق كثيرة، لا يتذكر مثلا أن أكبر مسمار فى نعش حكم محمد مرسى كان فى إعلانه الدستورى الاستبدادى، الإعلان حصن قراراته، وجعله حاكما بأمره، وقفل الباب أمام أن يكون القضاء حكما نزيها فيما يتعلق بقرارات سياسية معينة، إعلان مرسى حصن مجلس الشورى، وحصن الجمعية التأسيسية للدستور، وانطلق الشعب المصرى فى مظاهرات عارمة رافضة، لكن مرسى مضى إلى غاياته مصمما، فكان نصيبه ثورة ضده وعزله.
قد يقول قائل، إن ما فعله مرسى لا يجوز مقارنته بما تقرر من تحصين قرارات اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية، وهذا قول ينطلق من حول سياسى قاطع ومتعمد، فمبدأ التحصين واحد فى الحالتين حتى وإن اختلفت الحالات التى يقصدها، كما أن الحالتين تؤكدان على أن عدم احترام الدستور واحد أيضا.
الحول السياسى هنا مقصود به هؤلاء الذين صرخوا ضد ما فعله مرسى فى إعلانه ومعهم حق، لكنهم الآن يدافعون عن فعل من جنس ما فعله المعزول بالضبط، فعل استبدادى آخر لكنه عسل على قلب هؤلاء لأنه ليس من صنيعة الإخوان، وإنما صنيعة ما بعد ثورة 30 يونيو، يضع هؤلاء عسلهم فى سم ناقع، يريدون أن نشربه بمزاج حتى يواصلون غيهم.
يقول المدافعون عن التحصين، أن المرشحين للرئاسة الذين يرفضونه الآن خاضوا الانتخابات السابقة واللجنة محصنة، فلماذا يزايدون الآن ويرفضون؟، يستكبرون مثلا على حمدين صباحى كمرشح رئاسى محتمل أن يرفض التحصين، يزعمون أن هذا دليل خوف، هم يقولون ذلك بمبدأ التفتيش فى النوايا، لو ضرب تعظيم سلام لـ«لتحصين» كانوا سيعلقون: إزاى يا حمدين توافق على التحصين، فين المبادئ يا حمدين؟، القضية عندهم لا علاقة لها باحترام الدستور والقوانين من بعيد أو قريب.
يغفل هؤلاء أن تحصين قرارات اللجنة العليا فى الانتخابات السابقة، كان وفقا للتعديلات الدستورية التى أجرتها لجنة طارق البشرى وتم تصويت الشعب المصرى عليها بأغلبية ساحقة، كان خوض المرشحين للانتخابات احتراما لهذه التعديلات التى صوت المصريون لها رغم كارثيتها، وبالمناسبة كان حمدين ممن رفضوها ودعوا إلى عدم التصويت لصالحها.
كانت الانتخابات الرئاسية السابقة ابنة سياق سياسى معين، ثار عليه الشعب المصرى فى 30 يوينو لتصحيحه، وما كان موجودا من سلبيات لا يجوز استمراره.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة