سارة علام

بعد منع محسن من الغناء.. لهم الأوبرا ولنا الشارع

السبت، 15 مارس 2014 09:10 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نام مبكراً حتى لا يجهد صوته، واستيقظ قبل موعده بساعتين لأنه لم ينم، غداً عيد الفن، وسيقف للمرة الأولى للغناء أمام الرئيس، سيتوج مطربا للثورة وصوتا لجيله.

نزل بعد أن ارتدى ملابسه سريعاً، الجاكيت والبنطلون الجينز والكوفية التى يحب أن يضعها دائماً، واطمأن أن ملابس الحفل تنتظره فى الأوبرا، استقل "تاكسى" من منزله فى مدينة نصر حتى وصل بوابة الأوبرا يحمل فى يديه دعوة باسمه.

وقف على الباب واستخرج الدعوة وبطاقة الرقم القومى، بهدوء وثقة، فحصهم رجل الأمن، أبلغ زميله عبر جهاز اللاسلكى فى يده أن "محمد محسن" وصل، شعر محسن بالقلق من السلوك المريب ولكنه انتظر.

جاء رجلان طويلا القامة، يضعان خلف آذانهم سماعة وأجهزة دقيقة، سأل أحدهما: أنت محمد محسن؟
أجاب: أيوه
_ طيب اتفضل معانا
من دهليز إلى آخر، ومن ردهة إلى ثانية، ومن ممر طويل إلى ممر قصير، حتى وجد محسن نفسه أمام باب خلفى آخر للأوبرا غير الذى دخل منه، سألهم أكثر من مرة.. فى إيه؟
لم يجب أحد.

اندهش محسن من سلوك الرجلين، أخرج هاتفه من جيبه واتصل بهانى مهنى رئيس اتحاد النقابات الفنية، صاحب الاختيار وصاحب الدعوة ومنظم الحفل، فوجئ هانى على الطرف الآخر، بما يقوله محسن، حاول التواصل مع إدارة الأوبرا ووزارة الثقافة، الكل خارج المشهد.

الأمن فقط يبلغه أن "محسن" ممنوع من الغناء أمام الرئيس، وأن أغنيته سيؤديها آخر بنفس التوزيع والألحان التى تمرن عليها وربما ارتدى بدلته التى تركها فى غرفة الفنانين أيضاً.

لا يمكن مشاهدة المشهد السابق، إلا فى سياقه الصحيح فى فيلم روائى طويل يحكم حياتنا الثقافية بعد 30 يونيو التى أعادت للبلاد سطوة دولة العواجيز مرة أخرى، بعد غياب عارض منذ 25 يناير وحتى الفترة التى سبقت عصر الإخوان.

الدولة تقرر الاحتفال بعيد الفن بعد توقف سنوات، تفتح ألبومها لتختار من بين مئات المطربين، تقلب صفحاتها، وتقلب وتقلب ثم يقع اختيارها على هانى شاكر الذى توقف عن الغناء منذ سنوات أو امتنع الغناء عنه، هى دولة لا ترضى أن تخالف أعرافها القديمة فى تأليه الكبار وإن ذهب عصر الآلهة.

محسن ليس ممنوعاً بمفرده، كلنا ممنوعون بأمر الأمن أو العواجيز، أو عواجيز الأمن إن صح التعبير.

من الأوبرا إلى المجلس الأعلى للثقافة يا شبابى لا تحزن، ومن الغناء إلى الشعر العرض مستمر.

أحمد عبد المعطى حجازى أو هانى شاكر، نماذج صارخة على ما تفعله الدولة بنا وكأنها تعاقبنا على صفر غائب فى سنوات ميلادنا.

الشاعر الكبير يرأس لجنة الشعر بالمجلس الأعلى للثقافة ويرأس بيت الشعر، يحتكر كل مهرجانات وملتقيات الشعر الرسمية، يطلق مؤتمرا يسميه ربيع الشعر يبدأ بعد أيام يدعو له من تجاوزت أعمارهم الستين، ولا يخجل من تسمية قصيدة النثر بالقصيدة الخرساء مواصلا اضطهاده لكل من كتب تلك القصيدة التى غزت العالم وصار "حجازي" كلحن شاذ بشعره وأفكاره عنها.

هو كهانى شاكر، الأول توقف عن الغناء والثانى توقف عن كتابة الشعر، واكتفى بلقب الشاعر الكبير يحمله فوق رأسه ويمضى ولا يعرف أن الشعر خيل لا يحب المترجلين لا يلتفت لمن نزلوا عنه لجمع غنائم صغيرة فشاخت نصوصهم والشعر شاب لا يشيخ.

محسن يغنى مع الكبير مارسيل خليفة فى لبنان، ويشدو بأكاديمية الفن فى روما، وتطرده مصر خارج حدود الأوبرا، أقول شعرا فى العراق وتونس، وأتلقى دعويين مختلفتين من البحرين والمغرب ليوم الشعر العالمى، وتبقينى مصر خارج حدودها.

عصا الأمن أو العواجيز حين تضرب، لا ترى الشعر ولا تسمع الموسيقى ولا تفهم الرواية، عصا الأمن غليظة تلفٌنا جميعا فى دائرة واحدة لا يعنيها أحد، طالما هناك من يصمت ويصفق، وطالما هناك من صمت وبرر وكذب منذ البداية وهو يعلم أن دوره آتٍ غداً.

تؤكد واقعة المنع، نظرية الدولتين، للكبار دولتهم ولنا دولتنا، لهم المؤسسات ولنا الشارع، لهم الأوبرا ولنا "الفن ميدان"، رهانهم اللحظة ورهاننا غدا والتاريخ الذى لا يغفر ولا يرحم، لنا الثورة وأحلامها وتغييرها ولهم استقرار يبنى على باطل ومؤسسات تتغذى على الفساد، باختصار لهم الموت ولنا الحياة.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة