محمد الدسوقى رشدى

حتى تفهم ألغاز تأخر إعلان ترشح المشير للرئاسة

الأحد، 16 مارس 2014 10:10 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
(1)
المواطن المصرى الطبيعى يطرحه اندهاشه أرضا من طوابير التمجيد وإيقاعات «المطبلاتية» وألحان «رشحناك.. رشحناك.. بالذوق والعافية رشحناك» التى يتغنى بها السائلون، ويحيره تعفف المسؤول وتمنعه وصمته عن الرد بالإيجاب أو السلب!!
ثم تنحبس أنفاس نفس المواطن المصرى الطبيعى من شدة الاندهاش حينما يرى كل هؤلاء المطبلاتية وهم يهاجمون وزير الداخلية والإخوان ورئيس الوزراء بسبب التقصير الأمنى وتكرار الحوادث الإرهابية دون أن يأتوا على ذكر المشير السيسى الذى طلب منهم تفويضا لمحاربة الإرهاب وصدر نفسه مسؤولا عن القضاء عليه ومرت الشهور دون أن يفعل.
نفس المواطن المصرى الطبيعى يقتله الاندهاش حينما يرى كل الفضائيات وأغلب المذيعين يشكون من التقصير والانفلات الأمنى ويهاجمون الحكومة ويتهمونها بالرخاوة والفشل دون أن يأتى أحدهم على ذكر أن الملف الأمنى فى حكومة الببلاوى ثم حكومة محلب ضمن مهام المشير عبدالفتاح السيسى بشكل رسمى بصفته نائب رئيس الوزراء للشئون الأمنية.
ما بعد القتل يعيش المواطن المصرى الطبيعى فى قبره معذبا بسبب اندهاشه من حالة الحفاوة بقوة المشير وقدرته على إدارة شؤون الدولة بينما نفس المحتفين والمهللين انتقدوا ياسر رزق بسبب تسريب حوار السيسى، ولم يقترب أحدهم من اسم المشير الذى سمح لصحفى أن يقوم بتسجيل دردشته الشخصية فى واقعة إهمال من المؤكد أنك لا تجدها فى ملف رجل إدارة قوى.
نبع الاندهاش هنا.. ليس الإصرار على ترشيح المشير ولكن اليقين الكامل بأنه يملك العصا السحرية لحل أزمات مصر رغم الأداء الضعيف الذى بدا منه ومن فريقه خلال الشهور الماضية.. من أين جاء هذا اليقين؟ وما سر الإصرار على ترشيح شخص لم يقدم أوراق اعتماد صافية من الخطايا الساذجة؟!
حسنا.. أخبروا المواطن المصرى الطبيعى ألا يندهش، واطلبوا منه أن يؤمن ولو قليلا بالحكمة الشعبية القائلة: «العرق يمد لسابع جد»، وساعدوه على أن يكتشف بنفسه أن ما يحدث الآن لا يختلف كثيرا عما حدث قبل 7 آلاف سنة، أو ما وقع قبل حوالى 220 سنة، أو ما تكرر حدوثه قبل 40 سنة، نفس المطبخ المصرى العريق، ونفس الطبخة المصرية الأصيلة التى تصل بمن يتنفس ريحها إلى كرسى العرش.
(2)
الطريق إلى العرش فى مصر ليس كمثله شىء مفروش بالتوسل والرجاء ويمر من داخل مطبخ لا يصنع سوى طبخة واحدة لم تختلف مقاديرها على مدى العصور كلها الفرعونى والعثمانى والمملوكى والناصرى، ولم تتأثر الطبخة أو مقاديرها لا بثورة 25 يناير ولا بموجتها الثانية فى 30 يونيو.
هى طبق التغيير المفضل، تغيير حاكم بآخر، ومؤخرة تجلس على العرش بأخرى، يصنعه الطباخون، ولكل عصر طباخوه، تختلف ملامحهم، وتتغاير طريقتهم فى التجهيز للطبخة، ولكنهم جميعا يأتون من تلك الجهة التى يسكنها صفوة المجتمع ونخبته، وجميعا يستخدمون نفس المقادير لإيصال السلطان الجديد إلى عرشه.
- عدد 2 كيلو من المثقفين وصفوة المجتمع «الكمية حسب ظروف الطبخة».
- عدد رجل قوى يجيد مهارة استغلال الشعار الأنثوى الشهير «يتمنعن وهن الراغبات».
– فرن مهبب، وظروف مضطربة وأحوال مرتبكة وخوف منثور بين البسطاء من غياب الاستقرار.
- كوب من العبارات المسجوعة بصيغة الرجاء.
– ملعقتا تبرير و«رشة» عبارات مطاطة مثل مصر محتاجة لراجل والوضع الأمنى والمرحلة الصعبة.
وبالنسبة لطريقة التحضير.. تتم تقريبا بأسلوب واحد، حيث يتم ضرب كل المقادير مع بعضها فى خلاط الظروف السياسية لتحصل بعدها على وجبة فوق طبق من فضة يتحدد بعدها اسم الحاكم الجديد، وفى بعض العصور كما سنرى لاحقا أو كما ترى أنت فى عصرنا الحالى، عصر الغرام بالسيسى، تكون روائح الطبخة «فجة»، وفى البعض الآخر تتم فى مطابخ مغلقة حتى لا تثير أطماع الجيران وفضولهم.
(3)
عقب معركة أسوس وبعد أن دخل الإسكندر الأكبر إلى الإسكندرية وتحديدا فى شتاء العام 331 قبل الميلاد انطلق الإسكندر فى رحلة لزيارة معبد آمون بواحة سيوة، وأراد الغازى الجديد أن يختبر ما اشتهر به كهنة آمون من معرفة بالغيب، وبعد رحلة خاضها الإسكندر مع جيشه فى الصحراء وصل سيوة ودخل معبد آمون، خاف الكهنة على أنفسهم ومكاسبهم ووضعهم وطمعوا فى الفوز السريع بجزء من كعكة الإمبراطورية الجديدة، وانتهزوا الفرصة حينما وقف الإسكندر أمام تمثال الإله آمون حائرا ليسأله بصوت مرتفع: لو أنك إله وعندك علم الغيب.. من قتل أبى فيليب؟.. وبعد صمت عم المكان لثوان انطلق كبير كهنة آمون ومن خلفه بقية الكهنة قائلين بصوت واضح: لكن أباك لم يمت.. أنت ابن آمون، والإله آمون لا يموت! ليحصل الإسكندر على بركة الكهنة ويتوج فرعونا بعد وجبة رجاء طبخها الكهنة بطريقة تحفظ لهم كبرياءهم بعد حياتهم ومكاسبهم.
(4)
ما بين خورشيد باشا والسلطان العثمانى سليم الثالث وارتباك الوضع فى مصر وبعد محاولات متعددة من ترجى محمد على باشا وإقناعه بإنهاء تمنعه عن قبول عرش والى مصر، وتحديدا فى أول مايو سنة 1805 ميلادية مجموعة من صفوة المجتمع وعلمائه إلى دار محمد على وقالوا له «إننا نريدك واليا علينا لما نتوسمه فيك من العدالة والخير»، وظل محمد على يتمنع ويعرض عن القبول حتى لا يقال إنه سعى إليه، حتى وافق فى النهاية وأصبح واليا على مصر.. وأنتم تعرفون بقية القصة.
(5)
بعد نكسة يونية أطل جمال عبدالناصر على جموع الشعب المصرى وأعلن تحمله لمسؤولية الهزيمة من إسرائيل، معلنا تنحيه وتخليه عن السلطة، وكانت الطبخة هنا ذات رائحة «فجة» بعد خروج الجماهير يتوسلون من الرجل البقاء فوق العرش رافعين الشعار الشهير: (أأأ.. أأأ لا تتنحى).
(6)
تتخذ الطبخة أشكالا وألفاظا وروائح أكثر ابتذالا ولكن يظل الطباخون هم أنفسهم نخبة المجتمع بكرى وموسى ونائلة وسما وعكاشة وأغلب رؤساء الأحزاب وفرقة التطبيل الفضائى، الذين يفرحون بالبسطاء وهم يرفعون البيادة فوق رءوسهم وينشرون بين الناس دينا جديدا يقول بأن المشير السيسى هو المرشح الواحد الأحد ولا يخجل الراجل فيهم من الصراخ بأنه يحتاج إلى «دكر»، ولا تخجل المرأة فيهم من أن تدعو السيسى لأن يتزوجها ويتزوج مصر، ولا يخجل الجمع الضائع من أن يدعو السيسى بأن يكمل جميله وكأن مصر هانت لتلك الدرجة التى تصبح فيها مدينة إلى شخص.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة