يقولون فى الأمثال: حبيبك يبلع لك الزلط وعدوك يتمنالك الغلط، ويقولون أيضا «إن كان حبيبك عسل متلحسوش كله» ولا أرى فارقا كبيرا بين أن يتم قطع النور يوميا عن أحيائنا وقرانا، وأن يتم منع المطرب الشاب محمد محسن من الغناء فى حفل عيد الفن لدواعٍ أمنية، فالفارق الزمنى منعدم والفاعل معلوم، وليس لنا إلا إعلان تذمرنا مرة بعد مرة لعل السادة الحكام يعلمون أن «الزلط» قد جرح أمعاءنا وتكدس فى جوفنا، وأنهم ظلوا يلحسون فى عسل محبة الوطن حتى ضاق الفارق بين من يفزعوننا منه ومن يرغبوننا فيه، فقد قلت مرارا إن ثورة 30 يونيو فى الأساس هى ثورة ثقافية، ضد قطيع حاول أن يعيد مصر إلى العصور الظلامية الرجعية، والآن فقد سارت القوى الحاكمة على نهج الجماعة، وبدأت فى مسلسل الإظلام التدريجى ماديا ومعنويا.
المخزى فى وقائع الإظلام المتتالية هى أن مرتكبيها لم يكتفوا بالاعتراف بأخطائهم والمبادرة بتقديم الاعتذار، لكنهم حاولوا أن يبرروا حالة الإظلام هذه مرة بعد مرة، فمرة يقولون إن الإسراف فى استخدام الكهرباء هو السبب، ومرة يقولون إن محمد محسن «صغير» لينال شرف الغناء أمام الرئاسة، لكنهم ينسون أننا مازلنا فى فصل الشتاء وأن وقت الإفراط فى استخدام الكهرباء لم يأت بعد، وينسون أيضا أن تلك «الرئاسة» هى التى جلست واستمعت فى احتفالات أكتوبر الماضية وهى تستمع إلى الفنانة بوسى صاحبة الأغنية الشهيرة «حط إيده ياه».
أعرف أن الحكومات ليست معصومة من الخطأ، لكنى أعرف أيضا أن الأسوياء وحدهم هم الذين يبادرون بالاعتذار حينما يعلمون بمدى خطئهم، وأن الغافلين وحدهم هم الذين يراهنون على «النسيان» غير مدركين أن «كتر الجرح يعلم البكا» وأن المرحلة التالية لمرحلة «بلع الزلط» هى ترجيع هذا الزلط فى وجوه «الأحبة القدامى».
علمنا ابن خلدون أنه ليس بعد الازدهار إلا الأفول، لكنه- للأسف- لم يحدد مدة زمنية لتحول هذا الازدهار إلى أفول، وأخشى أن تحقق السلطة الحالية رقما قياسيا فى سرعة الانزلاق نحو الهاوية، للدرجة التى تجعل أغلبية الناس حريصة على متابعة لقاء الراقصة صوفينار أكثر من حرصها على متابعة حوار «الرئاسة».
ألا ليت قومى يعلمون.