كلما شاهدت الدكتور سعد الدين إبراهيم على شاشة التليفزيون بعد ثورة يناير ثم بعد ثورة يونيو، يقفز إلى عقلى سؤال: لماذا يستضيف المعدون هذا الرجل وهو الذى يعترف فى كل لقاء دون ضغط أو إكراه أنه منسق علاقات دولية بين أطراف مخربة؟ فهو من قال طواعية إنه منسق علاقات الإخوان مع أمريكا، ثم أضاف أنه بحث لأمريكا عن شريك جديد بعد أن كاد الإخوان أن ينكشفوا للشعب ودفع بالسلفيين للقاء، ثم ها هو يطرح قنبلته الأخيرة حول زيارته لقطر وحواره مع الشيخة موزة زوجة الحاكم السابق وأم الحالى والتى سبقها مقال له منشور فى «المصرى اليوم» يفند فيه دفاعه عن قطر ودورها، ولكن قبل أن نتحدث عن مبادرته الأخيرة فدعونى أصحبكم فى جولة مع هذا الرجل ليتذكر من نسى فى خضم الأحداث التى نمر بها وليعرف من يجهل من يكون سعد الدين إبراهيم، وأود أن أؤكد أنه ليس هناك ما سوف أذكره من معلومات إلا موثقا من حواراته المكتوبة أو المصورة، بعبارة أخرى فإنها شهادته على نفسه وشهادات أخرى من واقع أوراق رسمية.
سعد الدين إبراهيم من مواليد 1938 أى أنه جاوز السبعين، والأهم أنه عاصر خمس حقب سياسية فى مصر منذ الملكية، وهو يعمل كما تقول بطاقته، أستاذ الاجتماع السياسى فى الجامعة الأمريكية ومدير لمركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية، متزوج ويعول.
فى حوار له فى التليفزيون قال سعد الدين إبراهيم، إنه كان صبيا منتميا لجماعة الإخوان، ولكنه عرف خيانتهم حين التقى عبدالناصر شخصيًّا بعد حادث المنصة، وأدرك أنهم بلا أخلاق ولا عهد، سبحان الله، هكذا يقول الرجل، ثم هو نفسه يقول إنه صاحب مبادرة تعريفهم واتفاقهم مع أمريكا ومهندس الاتصالات بينهم.. منين عرف أنهم بلا عهد وخونة صغيرا ومنين صار منسق لعلاقاتهم وهو كبير واع؟!
كان سعد الدين إبراهيم أستاذا لسوزان مبارك وابنيها علاء وجمال ومقربًا منهم، ثم انقلب عليهم أو انقلبوا عليه، ورغم هذا فقد وقّع عام 2010 على بيان ائتلاف دعم جمال مبارك رئيسا، وكان قبل سنوات، كما يقول أحد أتباعه، سُئل فى مؤتمر عام عن التوريث وإن كان ضده أم لا.. فقال: وما العيب فى أن يرشح جمال نفسه، أليس مصريا؟ فقالوا له: ولكن هذا توريث. فرد بأن من حق الشعب أن ينتخب جمال أو لا ينتخبه، فنحن لنا مطالب لو حققها فأهلا وسهلا به.
حكايات إبراهيم مع نظام مبارك لا تقتصر على العلاقة بالأسرة بين شد وجذب، ففى عام 2000 تم القبض عليه ووجهت له نيابة أمن الدولة تهمة القيام بأعمال نصب دولية وتلقى أموال من جهات أجنبية لزعزعة الاستقرار بمصر، وخلال مواجهة النيابة لمدير المركز بالأوراق الرسمية المضبوطة التى تخص العملية الانتخابية- وهى عبارة عن بطاقات تصويت انتخابية بأسماء مواطنين مصريين وهميين- نفى سعد الدين مسؤوليته عنها، واتهم الباحثين العاملين بالمركز بالمسؤولية عن أى تجاوزات ارتكبت، وقد استمعت النيابة إلى المسؤولين عن مشروع التوعية السياسية والانتخابية، وأشارت التحقيقات إلى قيام سعد الدين بتكليف الباحثين بتدوين أسماء الناخبين «المفبركة» فى صور نماذج بطاقات انتخابية لنحو عشرة آلاف ناخب، يسجلهم كل باحث مقابل الحصول على مائتى جنيه فقط، ويتم إبلاغ الاتحاد الأوروبى عن حصول الناخبين المدونة أسماؤهم على مبالغ تتراوح بين خمسة جنيهات لمن يقيمون فى القاهرة وستة جنيهات لأبناء الأقاليم الأخرى، واعترف سعد الدين بأن الأموال التى يحصل عليها من الاتحاد الأوروبى تحول من مكتب مفوضية الاتحاد فى مصر.. ورُب قائل إن هذه كانت اتهامات من نظام رأى أن سعد الدين إبراهيم معارض فقرر أن يلفق له مجموعة تهم، وهو قول جائز جدا، ولكن حين تعرف أن أمريكا قد انتفضت لسجن إبراهيم وقررت حجب المساعدات الإضافية عن مصر آنذاك، وأعلنت ذلك فى بيان رسمى، وكتبت وقتها جريدة الواشنطن بوست أن هذا القرار يعود لسجن سعد الدين إبراهيم، فعليك أن تتهمل فى الإشارة لذلك النظام بالتلفيق على الأقل فى هذه التهمة، ودعنى أضف لمسامعك أن الأوساط المصرية آنذاك تعجبت لقيام «إرييل شارون» رئيس الوزراء الإسرائيلى بتكليف وزارة خارجيته باستدعاء القائم بالأعمال المصرى فى تل أبيب، وتحميله رسالة عاجلة للحكومة المصرية، تُعرب فيها إسرائيل عن الصدمة التى مُنيت بها نتيجة صدور حكم قضائى بحبس الدكتور «سعد الدين إبراهيم»، باعتبار الحكم انتهاكًا لحقوق الإنسان!
سعد الدين إبراهيم يحمل الجنسية الأمريكية، وهى حقه، ولكنه كما قال فى لقائه التليفزيونى الأخير، قومى عروبى، ولهذا ذهب للشيخة موزة وعاد بمبادرة الصلح.. سعد الدين إبراهيم ليس كل حاجة وعكسها، ولا هو متناقض كما قد يخيل لك من سطورى السابقة، ولكنه رجل المصلحة الأول فى مصر بفجاجة، فهو ربما يكون صاحب مقولة «أبجنى تجدنى» والله أعلم.
أما فيما يخص المبادرة ذاتها، وبعيدا عن الكلام الكبير بتاع قومى عروبى، فياأيها الدكتور، مع كامل احترامى للشيخة، فهل علاقات الدول تسيرها زوجات الحكام السابقين أو حتى أمهات الحكام الحاليين؟ وحتى لو سلمنا بقوة الشيخة موزة وتأثيرها، فهل علم الاجتماع السياسى الذى تدرسه يقول لك إن مبادرات الصلح الدولية تتم بهذه الفجاجة من نوعية كلمات تدغدغ العاطفة زى أنا تعلمت فى مصر وبحب مصر والإخوان ماسكينى من إيدى اللى بتوجعنى؟! يادكتور.. ليس هكذا تورد الإبل، حتى لو اعتبر المصريون إبلا.. وأخيرا.. فإن متابعة مسيرة وأقوال وأفعال سعد الدين إبراهيم تؤكد أن مركز ابن خلدون للدراسات الإنمائية الذى يديره هو مركز إنمائى حقا، ولكن لتنمية موارد الدكتور على حساب مصر.