أذكر أنه فى سنة 79 كنت ضمن مجموعة من الشباب الذين أوفدتهم منظمة التحرير الفلسطينية إلى بولندا فى دورة صحفية، وكان أبرز المحاضرين هو الكاتب الشاعر الصحفى المصور البروفيسور ريتشارد كابوشينيسكي، وأذكر أنه قدم نفسه لنا فى أول محاضرة له على أنه فلاح من محافظة فارمينسكو - مازورسكي، الزراعية، وحدثنا عن أهمية وقدسية حرفة الصحافة التى هى حرفة تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور، وغالبًا ما تكون هذه ال
أخبار متعلقة بمستجدات الأحداث على الساحة السياسية أو المحلية أوالثقافية أو الرياضية أو الاجتماعية وغيرها، وأن أول الصحف التى صدرت فى أوروبا هى "أكتا ديورنا / أحداث اليوم", حيث كان الناس ينسخون منها أعدادًا كثيرة من النسخ لتوزيعها فى الأماكن العامة وقد أصدرها الإمبراطور الرومانى يوليوس قيصر عقب توليه السلطة عام 58 قبل الميلاد، وكان يسميها "سجل أخبار الشعب" لأنها لابد أن تكون فى خدمة الشعب وحرية الرأى والتعبير التى هى باختصار هى الحرية فى التعبير عن الأفكار والآراء عن طريق الكلام أو الكتابة أو عمل فنى بدون رقابة أو قيود حكومية، بشرط ألا يمثل طريقة ومضمون الأفكار أو الآراء ما يمكن اعتباره خرقًا لقوانين وأعراف الدولة أو المجموعة التى سمحت بحرية التعبير.
ولكن على مر العصور هناك دائمًا حدود لحرية الرأى والتعبير فى العالم بكل مستوياته حيث إن هذه القضية من أكثر القضايا الشائكة و الحساسة وتتغير طبقًا لمعايير أمنية وسياسية ودينية تخص كل دولة، أما الصحافة فهى المهنة التى تقوم على جمع وتحليل الأخبار والتحقق من مصداقيتها وتقديمها للجمهور بكل طبقاته الثقافية، وحرية الصحافة "أو الصحافة الحرة" هى الضمانة التى تقدمها الحكومات لحرية التعبير، وغالبًا ما تكون تلك الحرية مكفولة من قبل دستور البلاد للمواطنين والجمعيات، وتمتد لتشمل المنظمات بث الأخبار و تقاريرها المطبوعة وكل ما يتعلق بسبل النشر داخل الدولة، ويستخدم مصطلح "الصحافة سلطة رابعة" ببعض الدول بعد الثلاث سلطات الأساسية التشريعية والتنفيذية والقضائية، وما وصل إليه حال حرية التعبير والرأى والصحافة الحرة فى القرن الـ21 فى هذه الأيام، حيث أصبحت الحرية بصفتها العامة هى حالة التحرر من القيود التى تكبل طاقات الإنسان وإنتاجه سواء كانت قيودًا مادية أو قيودًا معنوية أصبحت حرية غير حرة مكبلة بمئات القيود فى كل مكان.
من هذا المنظور الذى تعلمت منه الأمر منذ 35 سنة كنت أقرأ كتيب "دستور اليوم السابع" كدستور تلزم الصحيفة الرائدة نفسها به، وهو دليل رائع فى بساطته اللغوية وطريقة بنائه، ويقدم نفسه على أنه نتاج جهد وتجارب دامت لأكثر من 5 سنوات, ولا شك أن هذه المدرسة الصحفية التى يؤسسها اليوم السابع ليسطر بها مرحلة جديدة من المستقبل المهنى للصحافة، ويقدم للقارئ من أهم ما قدم رؤية الجريدة لـ"محظورات النشر" التى تلزم نفسها به، متمنيًا على الفضائيات أن تلزم نفسها بمثل هذا الدستور ليس فى برامج "التوك شو" فحسب بل فى كل برامجها.
كان البروفيسور ريتشارد كابوشينيسكى يؤكد لنا أنه يحلم بوضع دستور حقيقى لهذه الحرفة المقدسة يلتزم به كل من يصيبه قدره بهذه الحرفة لتكون فى خدمة الشعب فعلا وليست فى خدمة قصر صاحبة الجلالة الإمبراطورة أو السلطة أيًا كانت هذه السلطة، وجاء دستور "اليوم السابع" ليحقق لنا هذه الأمنية التى تمنيتها مع البروفيسور كابوشينيسكي، ونتمنى أن تحذو الفضائيات المصرية حذو "اليوم السابع" فتقدم لنا دستورًا فى خدمة الشعب وليس فى خدمة لجنة السياسات، أى لجنة سياسات.