ناجح إبراهيم

أبوالهول بين أبوالمجد وباناموريوس

الخميس، 20 مارس 2014 06:02 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ذهب العلامة د/ أحمد كمال أبوالمجد فى شبابه إلى الاتحاد السوفيتى ضمن وفود الزيارات الدورية المصرية إلى هناك نظراً للعلاقة القوية التى كانت تربط مصر بالاتحاد السوفيتى فى الستينيات من القرن الماضى.. وكان الاتحاد السوفيتى وقتها ملحدا يجاهر بالعداء لكل الأديان وعلى رأسها الإسلام.. وفى هذه الزيارة كان الرجل الثانى فى الحزب الشيوعى السوفيتى «باناموريوس» مصاحباً للوفد وشارحاً لهم حضارة السوفيت فمر الوفد على عدة مساجد أثرية مغلقة تحولت إلى مزارات سياحية فقال لهم «باناموريوس»: «هذه آثار عندنا مثل أبوالهول عندكم.. فقال له د/ أبوالمجد: ولكن أبوالهول ليس له أنصار بالملايين فى مصر أو العالم كله.. لكن هذه المساجد أنصارها وأبناؤها بالملايين فى كل مكان.. فاغتاظ باناموريوس منه ولكنه سكت»..
وقد حكى د/ كمال أبوالمجد هذه القصة للرئيس السادات بعد ذلك فقال له السادات: «إن هذا الرجل كان متعصباً جداً ويحب الشيوعية جداً ويكره الإسلام وكل الأديان.. وأنه كان من أسباب توتر العلاقات بين مصر والاتحاد السوفيتى».
قلت له: ما هو أفضل شىء أعجبك فى الاتحاد السوفيتى قال: عدم الاستعلاء على دروس التاريخ.. قلت له وما هو أسوأ شىء؟.. قال: عداوة الأديان وقمع الحريات واستباحة الدماء.
والغريب أن د/ كمال أبوالمجد له قاموس خاص به فهو يحب أن يقسم اللحى إلى نوعين: أولهما: لحية ودودة أليفة يشع منها النور وتنشر المحبة لمن حولها.. وصاحبها يألف ويؤلف.. ويقول عن أصحابها كنت أمزح مع أصدقائى وأبنائى أصحاب هذه اللحى الودودة وقد أضربهم على ظهرهم أو أشد أحدهم من لحيته تلطفاً وحباً.
أما ثانيهما: فهى اللحى العدوانية التى ترى صاحبها متعصباً متأففاً يخرج الشرر والحنق من وجهه وعينيه ويقطب جبينه باستمرار.. فلا يألف ولا يؤلف.. ولا يمزح مع أحد ولا يقبل مزاح أحد ويظهر الصرامة مع الآخرين.. وهو فى الوقت نفسه ضحل العلم ضعيف العمل قليل العبادة.. يرى نفسه فوق الآخرين.. ويحب أن يصنف الناس بحسب هواه.
وأعتقد أن هذا التصنيف الخاص به له ظل من الحقيقة والواقع.. ليس فى مصر فحسب ولكن فى كل بلاد المسلمين.
ويعتبر د/ أبوالمجد من العلماء القلائل فى مصر الذين طافوا معظم الكرة الأرضية.. ومن القلائل الذين تبوأوا مناصب علمية كبيرة فى بلاد مختلفة فهو فى مصر عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر الشريف.. وهو فى الأردن عضو المجمع الملكى لبحوث الحضارة الإسلامية.. وهو فى المغرب عضو الأكاديمية الملكية المغربية.. وهو فى الجامعة العربية مفوض شؤون حوار الحضارات.. وفى غيرها.. وفى غيرها.. فقد ضرب بسهم وافر فى كل علم وشارك بعطاء فى كل بلد زاره أو عاش فيه.
ورغم كل التقدير الدولى الذى ناله د/ أبوالمجد إلا أن وطنه مصر كان أكثر من أهمله.. فقد رفضت الحركة الإسلامية أن تشركه فى الهيئة التأسيسية لكتابة الدستور عام 2013.. رغم أنه أكبر عالم دستورى مصرى وعربى.. وقد رفضته القوى المدنية فى لجنتها أيضاً رغم أن كل القوى المدنية ليس لديها عالم مخضرم فى الدستور مثله.. ورغم أن الطرفين يدركان أن د/ أبوالمجد ساهم بجهد وافر وعظيم فى نهضة ماليزيا وشارك مهاتير محمد فى حل كل المشكلات القانونية والدستورية التى واجهت الرجل فى بداية حكمه وسعيه للنهضة وهو الذى جمع بينه وبين صديق عمره أنور إبراهيم قبل أن يقع الخلاف والشقاق بين صديقى السلطة بعد ذلك.
لقد فاق د/ أبوالمجد نظراءه من علوم الشريعة بجمعه بين روافد الشريعة كلها مع روافد أخرى من حضارات الأمم المختلفة.. فقد عرف الاتحاد السوفيتى عن قرب ودرس تاريخه ودرسه لآخرين وعمل ملحقاً ثقافياً لمصر فى الولايات المتحدة الأمريكية فترة ووزيرا للإعلام فترة وللشباب أخرى.. وساهم فى تجربة منظمة الشباب المصرية وساهم فى كتابة دساتير دول عربية وإسلامية كثيرة.. وجمع مع ذلك كله الفقه الإسلامى بقواعده وأصوله كما تعلمها من خاله مفتى الديار المصرية مع الفكر الإسلامى الحديث الذى تعلمه فى شبابه من العلماء الكبار ومنهم والده القاضى الشرعى وغيره من العلماء من شتى المدارس الإسلامية الفكرية ومنها مدرسة الإخوان المسلمين التى انتمى إليها وهو طالب فى الجامعة.. مما جعله يصهر كل هذه العلوم والمعارف والخبرات والتجارب فى بوتقة واحدة ليخرج منها بفقه لا يغفل عن مقاصد الشريعة الكبرى وغاياتها السامية وقضاياها العظمى وهو يتحدث أو يكتب أو يربى أو يعلم الآخرين الإسلام والدين.
ولعل د/ أبوالمجد يعيش بقلبه وجوارحه مع مقولة الشاطبى العظيمة «إن تكاليف الشريعة ترجع كلها إلى تحقيق مقاصدها فى الخلق وهى رعاية الدين والنفس والعرض والمال.. ألخ»
وينطلق د/ أبوالمجد على درب أستاذه الشاطبى فيؤكد على القاعدة الفقهية المعروفة «درء المفاسد مقدم على جلب المصلحة»
ويؤكد أيضاً فى رسالته عن الخطاب الدينى المعاصر على «أن المصلحة المؤكدة تقدم على المصلحة المظنونة وأن مصلحة الجماعة تقدم على مصلحة الفرد وأن مصلحة الكثرة تقدم على مصلحة القلة.. وأن المصلحة الدائمة تقدم على المصلحة العارضة أو المؤقتة».
وينعى د/ أبوالمجد واقع المسلمين عامة والحركة الإسلامية خاصة.. فيقول: «أما حين تنفصل الأحكام عن غاياتها وتنفك الرابطة بين التكاليف الشرعية ومقاصدها.. فإن المنفعة تفوت والمصلحة تغيب.. ويقع الناس بذلك فى العسر والعنت والحرج.. وفى هذا قول دقيق وحكيم لابن القيم نصه: «اعلم أن الشريعة عدل كلها وقسط كلها.. ورحمة كلها.. وأن كل مسألة خرجت من العدل إلى الظلم.. ومن القسط إلى الجور.. ومن الرحمة إلى ضدها.. فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل» ومن يتأمل هذه الأقوال الرائعة يدرك أن مفهومنا عن الشريعة الإسلامية يحتاج إلى تصحيح وضبط ومراجعة وتدقيق وإن لم نفعل فسيسبقنا قطار الحضارة السريع الذى لا ينتظر أحدا ولا يتوقف لأحد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة