فقدت مصر، الاثنين الماضى، رجلا طيبا، بلغ التسعين وهو يشدو فى المحبة والصفاء، الشيخ أحمد التونى الذى حمل ألقابا رفيعة منحها له محبوه، هو إمام المداحين وساقى الأرواح وسلطان المنشدين، الرجل الذى كان إذا اندمج فى الإنشاد نسى نفسه ونزل ساحة الذكر، كانت الموسيقى التى بداخله أكبر من الموسيقيين، يقود الجميع بإيقاع مسبحته، استمد نفوذه لأنه لم يكن رسميا ولم يستند إلى أى سلطة، فقط هو يستعيد طفولته وفطرته عندما يكون فى رحاب آل البيت، يحكى أنه بدأ عند باب السيدة زينب وفى هذه المرة نهره أحدهم، فدخل إلى الست يبكى وخرج ينشد «خضر العمايم وأنا نايم ندهونى».
كان يلجأ إلى شعر المتصوفة الكبار أمثال عمر ابن الفارض والحلاج لكى يصطاد الليالى، ثم يقدم بعد ذلك مزيجا رائعا من العامية والفصحى، يصدقه المريدون لأنه غير مشغول بصورته، هو فعلا صادق ويؤمن بقدرة الذكر على التسامح و تصفية الأرواح، هو يغرف من مناطق الإيمان البكر التى جعلت المصريين ساعة الجد على قلب رجل واحد، هو يمزج فى الألحان التى يقودها بين كل فنون الشدو، هو صييت ومداح ومنشد ومبتهل ومغنى، هو المنفلوطى الذى يحمل للسيد البدوى مشاعر خاصة، ويكفيه من الآلات عود وكمان وإيقاع، قادر على الغناء ست ساعات متواصلة، ولف أوروبا بصوته القريب، المرتان التى نزل فيهما إلى ميدان التحرير فى منتصف عام الثورة، وبعد رحيل مرسى، كنت ألتقيه فى دار ميريت، كانت ابتسامته الطفولية العريضة تشير إلى شىء كبير أخضر.. فى القلب.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة