وكأنها لغز أبدى يضاف إلى ألغاز المجتمع البدائى الذى احتار فى معرفة من خلق أولا «البيضة أم الفرخة»، فأصبحنا نقول: العيب فى الشعب أم فى الحاكم؟
كل حاكم فاشل لا يريد أن يعمل ولا يريد أن يجتهد، يلقى باللوم على «الشعب» ويعتبره سببا لتأخر الأمة، مستغلا فى هذا الادعاء ما نراه يوميا من إهمال البعض فى أداء أعمالهم، أو مقدرة البعض المدهشة على تكسير القوانين والعبث باللوائح، غير مدرك أن فكرة «الدولة» أتت من أجل فرض النظام العام، وتنظيم حياة المواطنين ورعايتهم، بالترغيب مرة، والترهيب مرة والردع مرات ومرات.
نعم، يمتلئ شارعنا بالمخالفات الصارخة، التى يرتكبها بعض أفراد الشعب يوميا بسهولة وتلقائية، لكن الدولة بمسؤوليها وحاكميها لا تكلف خاطرها بأن «تعلم» الشعب أو تردع المخالفين، وتتقمص دور الطالب الفاشل الذى ترك استذكار دروسه شهرا بعد شهر، وحينما أتت ليلة الامتحان نظر إلى كتبه ومذكراته فوجدها ثقيلة عصية على التحصيل، فظل يشتم فى المنهج وواضعيه، مشتكيا من صعوبته واستعصائه على الفهم، متناسيا أنه هو الفاشل، وأنه لو كان استذكر دروسه فى وقتها لما تراكمت المعلومات فوق رأسه الضئيل.
لن «تنجح» مصر إلا إذا عرف مسؤولوها واجباتهم جيدا، وامتلكوا إرادة من حديد لفرضها حتى يعتاد الشعب على احترام القوانين، ومراعاة الصالح العام فى سلوكياته، وأذكر أن صديقى «محمود صابر» والذى يعمل مرشدا سياحيا قال لى ذات يوم إن بعض السائحين الأجانب لا يقدرون على أن يلقوا بمخلفاتهم فى شوارع بلادهم، لكنهم يفعلوا هذا فى مصر بمنتهى البساطة والتلقائية، وذلك لغياب الردع الحكومى وغياب الوعى العام، بما يعنى أن حكوماتنا لو استوردت شعبا آخر من «أوروبا والدول المتقدمة» فإن هذا الشعب سيتحول من «شعب محترم» إلى مجموعات عشوائية مثلنا تماما، ما يؤكد أنه لا يوجد شعب يتطوع بـ«التحضر»، لكنه يوجد حكم راشد يجبر الجميع على السير فى كنف الدولة، واحترام قوانينها إن كان لها قوانين.