هكذا سألت "مارى منيب" سؤالها المتكرر من شرفتها العتيقة يصيح الممثل "عادل خيرى" مجيبا بنفاد صبر: سواق يا هانم سواق. مشهد هزلى رأيناه جميعًا فى طفولتنا فى مسرحية "إلا خمسة"، والتى كانت من مقررات التليفزيون المصرى التى يهوى عرضها لعدد لا نهائى من المرات فى عصر ما قبل الفضائيات.
يتبادر إلى ذهنى سؤاله المتكرر الذى كلما تذكرت تلك الدوائر المفرغة التى صرنا ندور فيها، وأصل وجود تلك الدوائر المفرغة يكمن فى عدم التفاتنا للهدف من وراء الدوران بداخلها ولا سؤال أنفسنا إحنا جايين نشتغل إيه؟ وليه؟ ليه كتبت كذا؟ ! ليه قلت كذا؟ ! وليه سخرت من كذا وكذا؟! لماذا عنفت فلانا واحتددت على علان أو ماريت وجادلت علانة أو أغلظت القول لترتان وترتانة؟! أسئلة يندر أن نسألها لأنفسنا فقط نمضى قدما فى طريق مرسوم ومحدد دون أن نحاول استشراف آخر هذا الطريق ومآلات السير فيه.
نتكلم ونثرثر ونحتد ونشتد دون أن نسأل أنفسنا السؤال الأهم إنتى جاية تشتغلى إيه؟ إحنا بنكلم مين؟! وليه؟! هل نحدث الموافق ليزداد موافقة أم نحدث المخالف لنقنعه ونغير وجهة نظره التى نراها خاطئة لكى تصير إلى الرأى الذى نرى صوابه؟
إن كانت الأولى فلا بأس..التثبيت مطلوب لكن هل يستحق الأمر كل العناء؟! فكر جيدًا هل يحتاج المقتنع بفكرك ورأيك إلى مزيد من الإقناع فى زمان التعصب للرأى والموالاة والمعادة عليه هو الأصل..
أشك.. أما إن كانت الثانية فها هنا مربط الفرس ومغزى مقالى هذا، هل هذه النوعية من الكلمات والأساليب والوسائل التى ننتهجها ستفرق مع المخالف؟ ستغيره؟ ستقنعه؟ هل سمعت بأحد يقتنع بإهانة أو يغير وجهة نظرة بمسبة أو سخرية وانتقاص خصوصًا فى زمان صار فيه تحريك جبل من مكانه أهون أحيانًا من تغيير وجهة نظر المخالف؟!الحقيقة أنك بتلك الأشياء تعاقبه.
أسمع بعضهم يصيح نعم نعاقبه وهو يستحق وهاهنا مشكلة حقيقية.
فعليا أنت لم تعاقبه بل بالعكس لقد ثبته أكثر على وجهة نظره وسيرد لك العقوبة بمثلها وزيادة وليستمر دورانك ودورانه فى تلك الحلقات والدوائر المفرغة، والأهم أنك قد عممت حكما ليس من حقك ونفذت شيئا ليس من اختصاصك، من قال إن كل مخالف يستحق عقوبتك؟ من أدراك أنه حالة ميئوس منها لا يمكن أن تقتنع بوجهة نظرك أو تصحح مفهوما تراه خاطئا؟ ومن أعطاك الحق أصلا أن تعاقب الناس فضلا على تعيين نفسك حكما عليهم وقاضيا وجلادا فى الوقت نفسه؟!
هناك احتمال ثالث أن يكون خطابك للمذبذبين أو المحايدين اللى مش فارقة معاهم (الخناقة) على بعضها وعلى فكرة النوع ده برضه فى الغالب معاهم معاهم عليهم عليهم وكلمة بتوديهم وكلمة بتجيبهم فمش مستاهلة تحرق أعصابك أوى كدة.
صدقنى فى كل الأحوال ستجد أن الأمر لا يستحق كل هذا التشنج وأن حقيقة كثير مما نفعله جهد مهدور فى غير محله أو طريق انتصار للنفس ووسيلة تفريغ محضة لا تقدم ولا تؤخر.
قد تريح.. نعم، وقد تشعر المرء أنه يفعل شيئًا، وقد يكون فعلا يفعل شيئا لكنه شىء لا يبعده كثيرًا عن تلك الدوائر التى يطوف فيها المصريون فقط لو ارتقى سلمًا ونظر بمنظور عين الطائر وسأل نفسه السؤال المعنون للمقال به لربما غير خارطته الذهنية واتجاه كلامه وطريقة طرحه وأهدافه وبناء عليه سينتهج منهجًا إقناعيًا منطقيًا مختلفًا.
فقط لو سأل نفسه: إحنا بنكلم مين؟ وليه؟ أو بصياغة مارى منيب الموجزة: إنتى جاية تشتغلى إيه؟
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة