عطر الأحباب.. مشاعر الأمومة تضىء الشاشة بنور الحنان!..الأم فى السينما المصرية نموذج للفداء والتضحية

الجمعة، 21 مارس 2014 09:28 ص
عطر الأحباب.. مشاعر الأمومة تضىء الشاشة بنور الحنان!..الأم فى السينما المصرية نموذج للفداء والتضحية فاتن حمامة فى فيلم امبراطورية ميم
اشراف - ناصر عراق

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
نقلا عن اليومى..

من غرائب السينما المصرية أنها ظلت أكثر من عشرين سنة -منذ إنتاج أول فيلم- لا تهتم بأن تكون كلمة «الأم» ضمن اسم الفيلم! صحيح أن شخصية الأم حاضرة فى كثير من الأفلام التى أنتجت فى تلك الفترة، إلا أنه حضور نمطى باهت أو غير مؤثر.

«فى بلاد توت عنخ أمون» هو أول فيلم مصرى أخرجه الإيطالى فيكتور روسيتو وعرض عام 1923، أما أول فيلم استخدم كلمة الأم فى عنوانه فهو فيلم «الأم» وقد أخرجه عمر جميعى ليعرض فى 3 ديسمبر 1945، وهو الفيلم رقم 221 فى تاريخ السينما المصرية وفقا لموسوعة «دليل الأفلام فى القرن العشرين» التى أعدها صديقنا الدؤوب محمود قاسم، أى أن أكثر من 22 سنة مرت دون أن تلتفت السينما إلى ضرورة أن يكون للأم نصيب أكبر من اهتماماتها. لماذا؟ سأشرح فكرتى فى السطور الآتية.

تقديس الأم

أنت تعلم أن المصريين القدماء وضعوا الأم فى أكرم ركن، حيث تظهر فى عشرات اللوحات والتماثيل بوصفها كائنا مميزا يكاد يقترب من الآلهة بكل قداستها ونورانيتها، وتعلم أيضاً أن السينما بشكل عام فن يخاطب الشباب فى المقام الأول، الذين يمتلكون ثمن التذاكر ويرتادون السينما بشغف، الأمر الذى يجعل صناع السينما مشغولين بمناقشة قضايا الشباب ومشكلاتهم أكثر من طرح قضايا أمهاتهم وآبائهم، وتعلم كذلك أن المرأة المصرية لم تعرف الطريق إلى العلم والعمل إلا بعد ثورة 1919، حيث بدأ المصريون يدركون القيمة الكبرى لتعليم المرأة، وضرورة أن تشارك فى بناء مجتمعنا الحديث بعلمها وعملها.



مع اندلاع الحرب العالمية الثانية «1939» وتنامى معدلات الفقر والحرمان فى مصر، فى مقابل تراكم الثروة فى جيوب حفنة من الباشوات وحلفائهم، اضطرت الأم إلى العمل للإسهام فى تسيير شؤون البيت، خاصة أن كثيرًا من الرجال قد فقدوا وظائفهم أو هجروا زوجاتهم وأسرهم، فاضطرت الأم إلى العمل والاحتكاك بالمجتمع والاشتباك مع أشراره وطيبيه، وهكذا بدأ الاهتمام السينمائى بالأم يتزايد من عقد إلى عقد حتى صارت تحتل مساحة كبيرة فى كثير من الأعمال السينمائية فيما بعد.

علوية جميل

الغريب أن الفيلم الثانى الذى احتلت فيه كلمة «الأم» جزءًا من اسم الفيلم كان «الأم القاتلة/ عرض فى 11 فبراير 1952»، ولأنه عنوان غريب ومثير، فالأم هنا اضطرت إلى قتل الراقصة التى أفسدت أسرتها أو كادت! أخرج الفيلم أحمد كامل مرسى ولعب بطولته علوية جميل وتحية كاريوكا وشادية ومحمود المليجى.

تخصصت علوية جميل فى دور الأم القاسية.. ذات القلب الجامد، المستبسلة فى الحفاظ على تقاليد طبقتها الأرستقراطية وأعرافها، فهى أهم ألف مرة من تحطيم قلب ابنها «تذكر فيلمها طريق الأمل لعز الدين ذو الفقار الذى عرض فى 28 نوفمبر 1957»، وقد تقمص الأدوار الرئيسة شكرى سرحان وفاتن حمامة ورشدى أباظة وزهرة العلا. ويبدو أن الملامح الحادة للسيدة علوية قد أغرت صناع السينما على إسناد دور المرأة العنيفة/ الشريرة/ عديمة الرحمة إليها.

فردوس محمد

ما من أحد إلا وبكى غير مرة حين رأى فردوس محمد تدعو لابنها فى مشهد من المشاهد، أو تحنو على ابنتها فى لقطة من اللقطات، فهى حنان الأمومة عندما يسيل على الشاشة، فقد وهبت ملامح هادئة مريحة.. حاجبان مقرونان.. نظرات وديعة.. راضية.. قانعة بقضاء الله.. بنية جسدية ممتلئة مثل كل الأمهات المصريات فى خمسينيات القرن المنصرم.



لكنى سأحيلك إلى بعض مشاهدها الفاتنة فى أفلام «شباب امرأة/ 1956»، «الأخ الكبير/ 1958»، «حكاية حب/ 1959»، فى الأول تذكرها وهى تبيع بقرتها الوحيدة من أجل أن توفر لابنها مبلغا من المال يعينه على الحياة فى القاهرة، وأنصت إلى نبرات صوتها الحنونة وهى تعاتب شكرى سرحان لأنه قال لها إن بيع البقرة خسارة، فخبطت بيدها صدرها وهتفت «خسارة.. ده أنا لو لقيت حد يشترى روحى، كنت أبيعها واديها لك يا إمام».

فى الفيلم الثانى تأمل كيف تدعو لابنها أحمد رمزى أن يوفقه فى دراسته، ولابنها الكبير فريد شوقى أن يسامحه الله لأنه يتاجر فى المخدرات. إنها تطلق دعوتها بعد أن أدت الصلاة، ورعشة خفيفة تعترى صوتها، وحسرة غير مرئية تطل من عينيها على ابنها الكبير، إنه مشهد يكشف براعة هذه السيدة فى تقمص حال الأم «هناك من يقول إنها لم تنجب أصلا».

أما فى «حكاية حب»، فراجع تعبير وجهها -وهى العمياء فى الفيلم- ويدها التى اعترتها رعشة حين سمعت فى الإذاعة أن ابنها عبد الحليم يجرى عملية خطيرة الآن، ثم هتفت بحس مجروح.. ملهوف.. حائر «ابنى.. يا رب.. يا رب» وهى ترتجف وتضع راحتيها على صدرها!



أمينة رزق

أظنها أفضل من قدمت الأم بحنانها وشدتها.. بكبريائها.. وكفاحها.. بذكائها وحكمتها.
فى «بداية ونهاية/ 1960» تجبرها الظروف التعسة على قيادة أسرة فقيرة بعد الموت المفاجئ للأب، وتحاول السيطرة على أبنائها الذكور فتنهر فريد شوقى وتضرب عمر الشريف وتوبخ كمال حسين، ثم تتغير لهجتها وتلين حين تعاتب ابنتها سناء جميل لأنها فتاة غير جميلة من جهة ولأنها تسهم بنصيب فى إعالة الأسرة من جهة أخرى. هذا التباين فى الأداء يكشف عبقرية أمينة فى دراسة الدور الذى تلعبه دراسة جادة!

أنت تعلم طبعًا أن أمينة اقتحمت عالم السينما قادمة من المسرح، فهى أنجب تلميذات فرقة رمسيس «طالع ما كتبته فى هذه الصفحة عن تلك الفرقة»، لذا يشى أداؤها دومًا بنكهة مسرحية تخفت وتعلو حسب المخرج، فإذا كان المخرج ممن يقدسون الفواجع والمليودراما، اتسم أداء أمينة بحس مسرحى لا يخطئه المشاهد «بائعة الخبز/ 1953» مثلا، أما إذا كان المخرج صاحب منطق واقعى.. غير مسرف فى صب المشاعر الزاعقة على الشاشة، ذاب أداؤها المسرحى فى ظلال الصور والإضاءات «بداية ونهاية/ 1960» على سبيل المثال. عاشت أمينة حتى شبعت من الأيام، فقد ولدت عام 1910 ورحلت فى 2003، وظلت طوال هذه الفترة تمنح جمهورها أدوارًا بديعة ومشاهد ممتعة، برغم أنها لم تنجب ولم تتذوق لذة الأمومة أبدًا.


آمال زايد

«أمينة» أشهر أمهات السينما المقهورات من قبل رجل طاغية متغطرس، لكنها راضية بالقهر، مستمتعة بالمذلة، قانعة بأن الله فى السماء والرجل فى الأرض، لأنها كانت تعبر عن عصر الحريم بكل موبقاته، ذلك العصر الذى فرض على المرأة الثلاثى البغيض: الجهل والفقر والمرض، ولما كانت رواية «بين القصرين» تصور أحوال مصر فى عام 1918، أى فى نهايات عصر الحريم، فإن آمال زايد نجحت ببراعة فى تجسيد دور المرأة المقتنعة بتقاليد ذلك العصر وثقافته، فهى الأم الحنون التى ترتعب من رجلها إذا هلّ، لكنها لا تقوى على فراقه ولا تتحمل غضبه، فأمرها بين يديه، ومستقبلها تحت جناحه، لذا فهى تنصاع لرغباته راضية مرضية. تذكر «آمال زايد» وهى تخاطب السيد «يحيى شاهين» فى أمر خطبة فهمى، أو وهى تطلب العفو منه لأنها خرجت دون إذنه ملبية رغبة روحية دفينة فى زيارة «سيدنا الحسين»!

أظنك لاحظت نظرات عينيها المرتعبة، ونبرة صوتها المرتعشة، وخطواتها المرتبكة فى الفيلم الشهير، كما تابعت حنانها المنسكب على أبنائها، ورقتها البالغة فى تدليلهم، وقد أسهمت قسمات وجهها المسالمة فى تعزيز شعورنا نحو هذه الأم الرءوم، فالجبين منبسط والعينان هادئتان، والذقن طويل يوحى بالطيبة، حتى لا نقول السذاجة، أما صوتها فمترع بالمحبة والدفء.

إنها نموذج ناصع المثال للمرأة المصرية فى نهايات عصر الحريم!

فاتن والأخريات

مع اندماج المرأة المتعلمة فى سوق العمل بعد ثورة 1952، انتبهت السينما إلى المشكلات التى تواجه الأم الموظفة، ولعل فيلم «إمبراطورية ميم» أحد أهم الأفلام التى رصدت هذه المشكلات، وقد برعت فاتن حمامة فى اقتناص الحالة النفسية لامرأة عاملة وأم لستة أبناء ذوى ميول وطباع مختلفة. كذلك قدمت سعاد حسنى دور الأم لطفل فى «غريب فى بيتى»، وقبلهما أسعدتنا تحية كاريوكا وهى «أم العروسة» فى الفيلم الشهير، أما هند رستم فأسالت دموعنا غير مرة بعواطفها المتقدة تجاه ابنها حسن يوسف فى فيلم «الحب الخالد».
لقد كانت الأم وستظل معينا لا ينضب لكثير من صناع السينما الجادة والممتعة، ولعلنا نعاود الإطلال مرة أخرى على «سينما الأمومة».




موضوعات متعلقة..


ماما يا حلوة..يا أجمل غنوة

«نَكت الهميان فى نُكت العميان»..يرصد المؤلف حياة 310 عميان من مشاهير زمان!

مسرح رمسيس.. بستان الفن الجاد..لوتس عبدالكريم تكشف تفاصيل الأيام الأخيرة فى حياة عميد المسرح








مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة