فى عام 1952 تم عرض فيلم بعنوان عنتر ولبلب، كتب له الحوار واحد من أكثر الكتاب المصريين موهبة فى الكوميديا هو بديع خيرى، وقام بالبطولة شكوكو وسراج منير، ويعد من كلاسيكيات سينما الأسود وأبيض التى كانت ترى الخير أبيض ناصعاً، والشر أسود حالكاً. تلك كانت سمة هذه السينما وزمانها، فلم يكن الشر قد اختلط بالخير وصارت الدنيا رمادية كما نراها الآن.. وغالباً ليس هناك مشاهد محب للسينما القديمة إلا وشاهد هذا الفيلم ربما مرات ومرات، ورغم هذا يستمتع به على بساطته، الفيلم يحكى حكاية صاحب مقهى صغير يواجه صاحب كباريه كبير فى نفس الحى، والشارع يتنافسان على حب فتاة واحدة ويقرران تحدى بعضهما رغم الفارق الجسدى بين عنتر الشديد الشرير ولبلب الضعيف الطيب، ويقرر لبلب أن يضرب عنتر سبعة «أقلام» على قفاه فى خلال أيام محددة، وإن لم يفعل يفقد مقهاه وحبيبته، ويعاون أبو الحبيبة عبد الوارث عسر عنتر الشرير لكى يفوز بيد ابنته ويهزم لبلب، بينما أهل الحارة البسطاء يعاونون لبلب الضعيف، فيستطيع بالحيلة والذكاء أن يقهر عنتر وينتصر فى النهاية.
ولا أدرى بالتحديد ما الذى دفع بهذا الفيلم لذاكرتى وأنا أشاهد صراع بوتين وأوباما أو روسيا وأمريكا، خاصة فى الأزمة الأخيرة فى شبه جزيرة القرم، صحيح أن بوتين ليس لبلب الطيب ولا أوباما وحده هو عنتر الشرير، ولكن فكرة الصفعات المتتالية على القفا ربما هى التى ربطت فى عقلى بين فيلم عنتر ولبلب وفيلم أوباما وبوتين. قالوا لنا منذ عقود ونحن ندرس مادة السياسة الدولية إن الحرب الباردة انتهت ولم يعد هناك قطبان فى العالم، بل صار للعالم قطب واحد وهو أمريكا، ولكن هذا ضد طبيعة الأشياء والخلق، فلكل شىء جانبان، وحتى الإنسان فيه السالب وفيه الموجب.
وقد تكون هناك نغمة ما فى منطقة الشرق العربى كله تعزف على وتر روسيا وخاصة مصر بعد طول احتضان عربى أمريكى، ولكن الأمر جد مختلف كما أتصوره، أو كما يجب أن يكون، فأمريكا ليست الشر كله، وروسيا ليست الخير كله، فكل منهما يبحث عن سيادة منفردة، ويجمع لها المريدين، وربما من طول ما ارتمينا فى أحضان أمريكا ولم ينلنا منها حنان صرنا نصفق لغريمتها روسيا فى أى موضع انتصار. فها نحن نفرح حين نشاهد على شاشات التلفزيون استفتاء القرم الذى خرج بأكثر من %90 يريدون الانضمام لروسيا لتنقسم أوكرانيا، ونتساءل أليست تلك هى ديمقراطية ماما أمريكا ذاتها التى رفعتها فى وجه السودان فقسمته بحجة الاستفتاء والديمقراطية، وكأننا بفرحتنا بانضمام القرم لروسيا نقول لأمريكا ذوقى مما جعلت غيرك يشربه، ويبدو وكأن انفصال القرم واحد من سلسلة من الصفعات التى تتوالى على قفا أمريكا، فحتى للأسف الحرب التى أشعلتها فى سوريا وتغذى نارها تلقت فيها مؤخراً صفعة على القفا بانتصار جيش بشار الذى تؤيده روسيا فى موقعته الأخيرة وربما ستتوالى صفعات أخرى.
صحيح أن الفيلم لم ينته بعد وهو ممتد وليس على غرار أفلام الأسود وأبيض أو غيرها التى تستمر ساعة ونصف وتوتة توتة خلصت الحدوتة، فتعالوا لنتخيل فيلم عنتر ولبلب لو أن له جزءا ثانيا، فغالباً أهل الحارة الطيبون الذين ساعدوا لبلب على ضرب عنتر الشرير فانتصر وحصل على المقهى الكبير وصار هو كبير الحارة سيجدون أنفسهم عُرضة لظلمه بعد أن صار الكبير، وربما سيبحثون عن عنتر ليجدوه ملقى على الطرقات، مبهدل الحال، وقد صار طيب القلب يتمنى رضاهم، وربما سيجدون فيه فرصة ويساعدونه على استعادة مجده القديم، والانتقام من لبلب صديق الأمس الطيب، الذى صار شريراً، وهكذا يسلمون القيادة مرة أخرى لعنتر الذى يعود أدراجه ولكن أكثر شراسة لينتقم من كل من نكل به وهكذا.
نحن صنعنا فيلم عنتر ولبلب، وما زلنا نشاهده كل يوم ونضحك منه، ولا نحصل فيه إلا على دور الكومبارس أهل الحارة الطيبين، فمتى نقوم بدور آخر، دور عنتر، أو حتى دور لبلب، سواء فى الجزء الأول أو الثانى الذى تخيلته.