سألت شابا أعرفه عن الهدية التى قدمها لأمه فى عيد الأم أمس الأول الجمعة، كنت أساله وصورة أمى رحمها الله التى لا تفارقنى ماثلة أمامى وأنا أقول لها فى هذا اليوم «كل سنة وانت طيبة»، وفى مثل هذا اليوم من كل عام، أسأل نفسى: «ماذا لو كانت على قيد الحياة؟،
وأجيب، كنت سأحقق لها أمنيتها بأداء فريضة الحج، كنت سأحقق لها كل ما تتمناه، رغم أنها وكأى أم تعيش لتعطى دون أن تأخذ، تعيش لتضىء أصابعها لأبنائها، تعيش دون أن تطلب يوما التضحية من أجلها، فالتضحية وكما يقول الشاعر محمود درويش على لسان أمه: «تلك مهنتى الجميلة».
فاجأنى «الشاب» بقوله: «العيد ده حرام لأنه مش من الإسلام»، واستطرد فى حجته، وانتظرتنى مفاجأة أخرى حين قدمت التهنئة لسيدة قريبة لى، والتى سعدت بتهنئتى لها، لكنها أخبرتنى أن أولادها بيقولوا: «المناسبة دى حرام».
أعود إلى «الشاب» الذى ظل يستدعى نصوصا يستند إليها فى تحريم هذه المناسبة، قائلا: «الأعياد التى نص عليها ديننا الإسلامى هى، عيد الفطر وعيد الأضحى وفقط»، وماعدا ذلك فهو حرام فى حرام، وفى وسط طرحه يؤكد بين جملة وأخرى على أن تلك عادات غربية، وأنها بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار، ولو أردنا أن ننفذ ما يدعونا إليه الله سبحانه تعالى فلابد من التخلى عن كل ذلك، والعودة إلى ديننا الحنيف.
المفارقة أن حديثى مع «الشاب» كان بعد تأدية صلاة الجمعة، فأنا الذى لا أرى تعارضا بين عيد الأم والإسلام فى شىء كنت أصليها، وكان «الشاب» الذى يحرم هذه المناسبة يصليها أيضا، أى أننا سواء فى تنفيذ شعائر ديننا، والله وحده أعلم بالنوايا لكن المسافة شاسعة بيننا فى فهمنا لديننا الواحد، وكان خطيب الجمعة يتحدث عن فضل الأم، وذكرها فى القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، دون أن يتعرض لتحريم المناسبة.
أحالنى الكلام العاصف من «الشاب» إلى فتاوى فاسدة أخرى انتشرت فى السنوات الأخيرة، مثل تحريم تهنئة المسلمين للمسيحيين فى أعيادهم، وتحريم احتفال الأسر المصرية بعيد شم النسيم، ويتساوى ذلك بفتاوى أخرى مثل عدم الوقوف أثناء عزف السلام الجمهورى، ويرتبط بهذا أيضا فتاوى تحرم الاحتفال بكل الأعياد القومية الأخرى.
تذكرنى مثل هذه االفتاوى، بزمن سابق كانت مثل هذه المناسبات تأتى وتمر وسط فرحة اجتماعية عامة، دون التحرش بها دينيا، ولم يلُح فى ذهن أحد أنه يفعل ما يتناقض مع دينه.
لا يدعو أحد إلى اقتصار التذكير بالأم وفضلها على يوم واحد، والأم حاضرة لدى الأبناء فى كل وقت حتى رحيلهم إلى القبر، ولكن ما الضرر فى أن يكون لها يوم يحمل اسمها ؟، هل تحرضنا هذه المناسبة مثلا على ترك صلاتنا وسجودنا وقيامنا؟، هل تحرضنا على ترك صومنا وفرائض إسلامنا الأخرى؟، هل ستنقلنا من دين إلى دين؟. أعظم ما فى الإسلام أنه يحرضنا على الحق والتفكير والجمال، وعيد الأم نبت طيب من هذا.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
اضف تعليق
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة
عدد الردود 0
بواسطة:
الشعب الاصيل
اى عمل او قول يدعو للخير والمحبه والبناء هو جائز شرعا - الهدم والارهاب والتكفير العكس تمام
بدون