منذ ثورة 25 يناير حتى الآن أسقطنا ثلاثة رؤساء «مبارك، المشير طنطاوى، محمد مرسى» سجن منهم اثنان، واستهلكنا سبعة وزارات «أحمد نظيف، أحمد شفيق، عصام شرف، الجنزورى، هشام قنديل، حازم الببلاوى، إبراهيم محلب» أى وزارة كل ثلاثة شهور، ومازال المواطنون المصريون يشعرون بأن قضاياهم الأساسية لم تحل، وتكرار إسقاط الوزارة تلو الأخرى، وتعرض رئيسا وزارء للحبس «أحمد نظيف وهشام قنديل» واتهم ثالث وحوكم غيابيا أحمد شفيق، وقدم وزراء للمحاكمة مثل حبيب العادلى، ويوسف بطرس غالى، وعائشة عبد الهادى، ورشيد محمد رشيد، من وزارة نظيف، وتمت مساءلة منير فخرى عبد النور من النائب العام، وأخيرا تم حبس أربعة وزراء من وزراء الإخوان، أى أن هناك تسعة وزراء تم حبس سبعة منهم وتبرئة اثنين، وهكذا لعب ذلك أبلغ الأثر فى بروز ظاهرة جديدة لم تحدث من قبل فى تاريخ مصر الحديث وهى: أولا: إحجام عدد كبير من الشخصيات العامة والمتخصصين فى رفض قبول الوزارة، رغم أنه كان يحدث العكس قبل ذلك.. بل ظهرت تسميات مثل «عبده مشتاق» بل كان البعض قبل ثورة يوليو يدفع الرشاوى من أجل تبؤ منصب وزارى.
ثانيا: تقديم الوزراء للمساءلة أو المحاكمة والسجن للبعض منهم، جعل من يقبل الوزارة تكون يده مرتعشة، ولا يغامر باتخاذ أى قرار إلى حد أن أصبح الوزير عكس الماضى ينتظر خروجه الآمن بفارغ الصبر.
ثالثا: ظهرت لأول مرة ظواهر الاستقالات، مثل استقالة رؤساء الوزارات «عصام شرف والجنزورى والببلاوى» وكذلك استقالة سبعة وزراء، مثل حازم الببلاوى حينما كان وزيرا للمالية فى حكومة عصام شرف، واستقالة وزير الثقافة محمد صابر عرب، ومؤخرا استقالة نائب رئيس الوزراء د. زياد بهاء الدين.
رابعا: كسر هيبة الوزارة والوزراء من قبل الإعلام والإعلاميين، على سبيل المثال استطاع الإعلام إسقاط كل الوزارات، وعلى سبيل المثال بعد ثورة 25 يناير تم استخدام مصطلح «الفلول» ضد وزراء المرحلة المباركية، ثم «الأخونة» بعد حكم مرسى، وأخيرا «الطابور الخامس» بعد ثورة 30 يونيو، وأستطيع الجزم بأن حكومة حازم الببلاوى تم الهجوم عليها من اليوم الأول وحتى استقالتها «طابور خامس، أياد مرتعشة، تسعى للمصالحة مع الإخوان.. إلخ» ولم يتذكر لها أحد أن وزراءها قبلوا مناصبهم والعالم ضد مصر، والجماعات الإرهابية تستهدف أغلبهم، وأنهم استطاعوا رغم «الماكارثية» والتشوية تحقيق إنجاز كبير، منه وقف التدهور الاقتصادى، واسترداد مكانة مصر فى المنطقة العربية، ووقف الحرب الباردة ضد مصر دوليا من قبل الاتحاد الأوربى والولايات المتحدة الأمريكية، وإلغاء اتفاق الإخوان ومحمد مرسى مع صندوق النقد الدولى، والوقوف فى وجه الإرهاب، واقتحام بؤر الإرهاب فى اعتصامات رابعة والنهضة، وكل ذلك فى خضم إلغاء حالة الطوارئ، وحظر التجول، وتشغيل السكك الحديدية.. إلخ.
ورغم أنه تم الإعلان عن حكومة الببلاوى بصفتها حكومة انتقالية تهدف لرفع الحالة الاقتصادية، وبالفعل استطاعت رفع مستوى الاحتياطى النقدى، فوصل إلى 7ر18 مليار دولار، وكان الاحتياطى النقدى قد سجل فى نهاية يونيو الماضى نحو 14.9 مليار دولار، وإن كان ذلك يرجع للمساعدات التى أرسلتها دول الخليج، كما أدت السياسات النقدية التى اتخذها البنك المركزى المصرى برئاسة د. هشام رامز إلى انخفاض سعر الدولار ليصبح فى حدود 7 جنيهات بعد أن كان تجاوز الـ8 جنيهات حتى 30 يونيو الماضى بانخفاض فى حدود %15، كما اختفى إلى حد كبير السوق السوداء للعملة الأجنبية فى مصر، وتخفيض سعر الفائدة على القروض بنسبة %0.5 مما سيؤدى إلى تشجيع الاستثمار، وتوفير ما يقرب من 24 مليار جنيه للحكومة.
لكن على الجانب الآخر تم الترحيب بحكومة المهندس إبراهيم محلب منذ اليوم الأول بشكل مبالغ فيه «حكومة الشارع، حكومة الإنجازات.. إلخ» رغم أن حكومة المهندس إبراهيم محلب بها 20 وزيرا «منهم رئيس الوزراء نفسه من حكومة الببلاوى» وأهمهم المسوولون عن الداخلية والدفاع، وأغلب وزراء المجموعة الاقتصادية، وهكذا لعب الإعلام دورا كبيرا محل الأحزاب والحياة السياسية، وفى غياب السلطة التشريعية، وانعدام الدور الرقابى، لعب الإعلام بالحق وبالباطل ذلك الدور وملأ ذلك الفراغ، ومن لا ينصاع فهو «طابور خامس»!!
غياب السلطات والحضور الشعبوى:
استهدفت ثورة 25 يناير وموجتها الثانية ثورة 30 يونيو، إسقاط رأس السلطة، ممثلا فى رئيس الجمهورية «محمد حسنى مبارك - محمد مرسى العياط»، رافضة فشل السلطة الأبوية، وطامحة إلى تغيير حقيقى فى المنظومة تمثل فى أشهر شعاراتها: الشعب يريد تغيير النظام، واحتلت المظاهرات المليونية غالبية الميادين الرئيسية فى مختلف المحافظات، كوسيلة ضغط شعبية، تعلن بوضوح عن رفض النظام ومحاولة إسقاطه، وعلى جانب آخر أسقطت مجالس تشريعية، منتخبة أو مزورة «2010 و2102» لأنها لم ترض طموح التغيير، كما لم تقبل الجماهير بغير استبدال دستورى مبارك ومرسى «1971و2012»، بدستور جديد «2014» نجح بنسبة تبدو أكثر توافقا مع الذوق المتمرد.
نجحت التكتلات الشعبية والحركات غير الحزبية مثل حركة كفاية وحركة 6 إبريل وحركة تمرد فى تنظيم هذا الحس الشعبى وراء هدف محدد فى كل مرة «رفض التوريث - رفض النظام العسكرى - رفض السلطة الدينية» ومن ثم صارت السلطة الشعبية مع سلطة الإعلام، سلطتين تكادان أن تكونا بديلتين للسلطتين التنفيذية والتشريعية.
الصراع بين أنصار 25 يناير وأنصار 30 يونيو:
تشهد مصر الآن حربا ضد الإرهاب من جهة وصراعا على السلطة من جهة أخرى، هناك وضوح للحرب ضد الإرهاب، ولكن الصراع البارد حول تقسيم السلطة تجلى فى العديد من المؤشرات خاصة بعد 30 يونيو، حيث إنه بعد 25 يناير قامت الحركات الثورية والشبابية بنوع من التمييز بناء على ما اصطلح بتسميته بالفلول، وصل إلى الإرهاب الفكرى والسياسى ضد الذين كانوا ينتمون للنظام السابق نظام مبارك، ووسط هذه الانشقاقات قفزت الأقلية الدينية الإخوانية إلى قمة السلطة بمعاونة المجلس العسكرى السابق، وبعد 30 يونيو قام أنصار النظام المباركى بهجوم انتقامى مضاد على المكونات الثورية الشبابية لثورة 25 يناير، وعبر آليات إعلامية «مشبوهة» تم تشوية هؤلاء الشباب، عبر تسريبات الهدف الأساسى منها هو محاولة الإجهاز على ثورة 25 يناير، والآن تحاول «الأقلية المالية» التى كانت تابعة للجنة سياسات جمال مبارك القفز على السلطة مثلما فعلت الأقلية الدينية الإخوانية بدعم من مجلس عسكرى المشير السابق محمد حسين طنطاوى ورئيس أركانه الفريق سامى عنان.
وربما تجلى ذلك فى الصراع ما بين أجهزة نظام مبارك والأجهزة الأمنية السيادية الجديدة، وليس أدل على ذلك من التسريبات التى نسبت للفريق شفيق، وانتقاداته للمشير السيسى والمجلس العسكرى الجديد، ولم يكذبها الفريق، وأقر بصحتها بطريقة غير مباشرة، كل ذلك يؤكد أن هناك صراعا بين النظام القديم والنظام الجديدالذى لم يكتمل بعد، ويشير فى جوانب تسريب الفريق إلى أن أنصار النظام المباركى يسعون لاسترداد نفوذهم السابق عبر انتخابات البرلمان القادم وفق تحالف رأس المال بين أحزاب «المصريين الأحرار الجناح السياسى لآل ساويرس، وحزبى الحركة الوطنية بقيادة الجنرال شفيق، وأنصار الحزب الوطنى القديم والذين تمحوروا فى عدة أحزاب جديدة وأعلنوا عن تكوين جبهة مصر بلدى برئاسة اللواء أحمد جمال الدين» ويقف د. عمرو موسى رئيس حزب المؤتمر «أحد فرق بقايا الوطنى» فى منتصف الطريق، فهو يروج لكونه المستشار السياسى للمشير السيسى من جهة، وينضوى فى صفوف جبهة «مصر بلدى» من جهة أخرى، يحدث ذلك ومصر للمرة الأولى فى تاريخها لا تتصدى للإرهاب الإخوانى فحسب، بل تواجه مخاطر على جميع حدودها غربًا من ليبيا، وجنوبًا من السودان، وشرقًا من حماس، وشمالاً من تركيا، بدعم قطرى، إيرانى، أمريكى، أوروبى، دولى، وينتظر الشعب المصرى أن يتقدم المشير السيسى لانتخابات الرئاسة، ويمر اليوم تلو الآخر، والإرهابيون يحاولون استهداف الروح المعنوية للقوات المسلحة والشرطة، ووسط الصراع ما بين انصار 25 يناير و30 يونيو، وحروب الإعلام والأجهزة ورأس المال على السلطة.. وأخيرا اللهم احم السيسى من أنصاره.. أما أعداؤه فهو كفيل بهم.