تمر الأيام ثقيلة وتصبح الحياة كالكابوس الأسود الذى تتمنى أن ينتهى, فلا سبيل أمام تلك الأم الحزينة للتخلص من أحزانها إلا بالخلاص من هذا الكابوس حتى تلتقى بحبيبها وفلذة كبدها الذى راح شهيدا أو قتيلا.
لا تستوعب أن جزءا منها كان نابضا بالشباب والحياة أصبح يضمه التراب بعد أن كانت تضمه بين يديها, فيقترب من قلبها, تسمع دقات قلبه وتلمس أنفاسه, تقلق عليه إذا غاب وتطمئن لوجوده, تشعر أنه سندها وعمرها الذى سيمتد بعد أن ترحل عن هذه الحياة.
تحلم بيوم زفافه فإذا بها تمشى فى جنازته وتزفه للموت, تظنه سيحملها يوم أن تفارق هذه الدنيا ليواريها الثرى بيديه, ولا تصدق أن يتبدل هذا المشهد فتبقى هى على قيد الحياة بينما تراه جثة غارقة فى الدماء, وترى مشهد جسده الغض مسرعا إلى جوف قبر سرعان ما يغلقون عليه بوابته.
تصرخ وتناديه فلا يرد نداؤها, تحاول أن تنزل إليه فيمنعها الحاضرون. تخضبت يداها بدمائه بعد أن كانت تحلم بأن تخضبهما الحناء يوم عرسه, تراه ملفوفا فى كفن بعد أن كانت تحلم برؤيته مرتديا بدلة العرس.
الآن مات حلمها الذى عاشت من أجله, ولن ترى أبناءه, أحفادها الذين حلمت دوما بأن تحتضنهم وتدللهم وتربيهم كما ربت والدهم.
هكذا هو حال مئات بل آلاف الأمهات اللاتى فقدن أبناءهن فى مصر منذ ثورة يناير وحتى الآن سواء من شهداء ثورة يناير أو شهداء الجيش والشرطة أو معتصمى رابعة والنهضة وشباب الإخوان فى الأحداث التى شهدتها البلاد بعد ثورة 30 يونيو.
لا فرق بين إحساس كل منهن, كلهن أمهات يعتصرهن الألم والحزن وتمر عليهن الأيام ثقيلة حزينة, كل منهن حرمت من كلمات أعز الناس الحانية فى يوم عيد الأم الذى يمر عليهن أسود حزينا كئيبا.
ووسط كل هذا انشغل الكثيرون بخبر تكريم الراقصة فيفى عبده وحصولها على لقب الأم المثالية, ورغم غرابة هذا التكريم إلا أنه لا يختلف كثيرا عن المفارقات وحالة التناقض التى نعيشها, بل إنه يصبح متناغما مع هذه الحالة.
فلم تشهد مصر طوال تاريخها حالة انقسام بين أبنائها مثلما هى الآن, ولم يتصاعد حجم الكراهية والخلاف بيننا كما هو الآن, لم نشهد حالة عنف وأعداد قتلى وشهداء فى صفوف زهرة شبابنا كما نرى الآن فى كل أيامنا.
نختلف حتى على الموت الذى لم نكن نختلف حوله من قبل, نسأل حين نسمع بأعداد الموتى يوميا, هل القتيل من أفراد الجيش والشرطة أم من الإخوان, وكل منا يعطى تبريراته لاستحقاق كل فريق من الضحايا للموت والقتل طبقا لتوجهاته.
نضع نغمات محمول ونسمع أغنيات "عشان لازم نكون مع بعض عشان شايلانا نفس الأرض" وفى نفس اللحظة يطلق الكثيرون عبارات "يستاهلوا الموت أو خليهم يخلصوا عليهم".
لتتصاعد الكراهية وينمو الغل والبغض فى النفوس, ترى نقاشات وشجار وخلافات ساخنة بين أبناء الأسرة الواحدة قد تصل إلى حد المقاطعة والخصام.
حالة حزن عامة عمت قلوب الأمهات اللاتى فقدن أبناءهن سواء كانت أم لجندى أو ضابط أو طالب إخوانى أو غير ذلك, حالة قلق دائم تعيشها الأمهات, يخرج الابن فلا تعرف الأم هل سيعود إليها على قدميه أم أنها لن تراه إلا جثة يحملها زملاؤه أو تنتظرها على أبواب المشرحة, أمهات كثيرات يعتصرهن الألم بعد حبس أبنائهن أو فصلهم من الجامعات.
يستمر نزيف الدماء ويستمر معه حالة عقوق المجتمع للأمهات وتمزيق قلوبهن.
لا تتعجب ولا تنتقد منح فيفى عبده لقب الأم المثالية فى مجتمع يشهد حالة عقوق جماعى للأمهات وإبادة جماعية لكل المشاعر الإنسانية التى كنا نتحلى بها وغل متصاعد لأبعد الحدود, فيصل الخلاف والمعارضة إلى حد القتل وسفك الدماء.
لا تتعجب من منح فيفى عبده لقب الأم المثالية وأنت تغنى "علشان لازم نكون مع بعض" فى الوقت الذى تسأل فيه عن هوية القتيل.
لا تتعجب فيفى عبده الأم المثالية فى مجتمع يذبح أبناؤه يوميا دون أن يجد حكماء أو عقلاء يعملون على وقف نزيف الدم, فيفى هى الأم المثالية فى مجتمع انقسم إلى شعبين بينما يغنى أبناؤه "شايلانا نفس الأرض".
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة