بعد أن اعتلى البابا تواضروس الثانى كرسى مار مرقس، صرح مؤكدًا عدم عمل الكنيسة بالسياسة، لكنه بعد ثورة 30 يونيو وحتى الآن أدلى قداسته بأكثر من عشرة تصريحات أربكت أوساط كنسية، واعتبرها البعض خروجًا على ما وعد به البابا بنفسه.. وبعيدًا عن تفاصيل وتحليل ماهية التصريحات، فإن الملاحظ أنه ليست الكنيسة وحدها، ولا البابا بمفرده، يخوضون فى السياسة، بل هناك مؤسسات سيادية أو دينية عهدناها من قبل لا تتدخل فى السياسة أصبحت مسيسة، فالأزهر الشريف، مشيخة وجامعة، صار مرتعًا للسياسة، بما فى ذلك الانقسامات التى تحدث منذ زمن، سواء من جبهة علماء الأزهر، أو محاولة البعض إلى تحويل بيت العائلة إلى آلية سياسية.. أما الكنيسة فكلنا نتابع التنافس السياسى بين أصحاب النيافة «مثال الخلاف المعلن بين الأنبا آرميا والأنبا بولا» حول إحدى مواد الدستور من قبل، أو استخدام المراكز الكنسية فى التقرب من أصحاب القرار، أو كتابة بعض الأساقفة مقالات سياسية فى الصحف، أيضًا شاهدنا مؤخرًا التسريبات التى نسبت إلى الفريق شفيق، والتى انتقد فيها محاولات البعض إظهار القوات المسلحة على أن لها مرشحًا فى انتخابات الرئاسة، وكذلك المقالات والمداخلات التليفزيونية التى تصب فى نفس الاتجاه، وصولا للقضاء الذى وصل الأمر به إلى خروج بعض القضاة عن تقاليد الوظيفة والاعتصام فى رابعة والنهضة، أو فى المقابل إبداء آراء سياسية فى أكثر من مناسبة.. كل تلك المؤشرات تدعونا لنتساءل: هل هذه الظاهرة دليل على بداية تفكك الدولة؟ أم أن حالة السيولة والفوضى المجتمعية قد نالت من هذه المؤسسات العريقة؟ أيًا كانت الإجابة، ماذا حدث؟ ولماذا؟ وإلى أين؟
لا يخفى على أحد ما يحدث داخل تلك المؤسسات، لأن ثورة الاتصالات جعلت ما من خفى إلا ويعلن، ترى هل مشروع الدولة الوطنية انتهى عمره الافتراضى، وأن ما يحدث فى تلك المؤسسات تأكيد على ذلك؟ أم أن الأمر لا يعدو أن يكون حلقة من حلقات التفكك الهيكلى الذى يمر به العالم كله، بحيث إننا سنجد مجلس الأمن خلال سنوات سيضم الشركات الكبرى العملاقة بدلًا من الدول التى ستتحول إلى جزء من آليات السوق لتلك الشركات، وسيسمح بالتصويت لأفراد وضباط الجيوش والقضاة وأعضاء النيابة العامة؟ علمًا بأن رجال الدين أصلا لهم حق التصويت.. كل تلك الأسئلة والمعطيات يجب التعامل معها بعمق وليس بخفة، على سبيل المثال فضيلة الإمام الأكبر، وقداسة البابا، والمشير كانوا أهم شركاء فى 3 يوليو، ونحن جميعًا ارتضينا بذلك، وربما هللنا له.. ألا يعدّ ذلك تفويضًا لهم للعمل بالسياسة؟