ثلاث حوادث أو أحداث مرت على المجتمع المصرى هذا الأسبوع، وهى للحق رغم أنها تخص أصحابها إلا أن فيها كثيراً من الدلالات على ظواهر سلبية أو مرضية عامة فى المجتمع المصرى.
1 - تم نشر خبر تشميع أحد المحلات الشعبية الشهيرة للطعام وحبس صاحبه لأنه كما كُتب يقدم لحما فاسدا غير صالح للاستهلاك الآدمى، توقفت عند هذا الخبر أتعجب، فمنذ زمن الدولة خفت أو نزعت قبضتها على ما يأكله المصريون، وما يشربوه بل حتى على التداوى، ولكنها بين الحين والآخر تستجمع قوتها على واحد هنا أو هناك لتقبض عليه وتجرسه ثم لا شىء آخر، فكأن الرقابة كده وكده وللشهرة فقط، عشرات الآلاف من عربات الطعام فى العاصمة ومحافظاتها تقدم سندويتشات السجق واللحم والفول والأجبان، فهل هناك من أحد يسألهم عما يقدمون؟ طبعا لا.. وهل من هناك أحد يستطيع أن ينكر أن سمعة أغلب من يفتشون عن طعامنا وشرابنا سمعة للأسف سيئة، وتخضع لمبدأ «أبجنى تجدنى» تحت أمر صاحب المحل؟ طبعا لا.. وهل هناك من دعاية رسمية لطعامنا وشرابنا أقوى من اسم محلات الطعام المرخصة من الدولة بعنوان عبده تلوث وزيزو نتانة، فلم تقبض الدولة على البرنس بتاعهم إذا قدم لحم بدوده.. مش كده ولا إيه....!
2 - فى كل العالم حين يُقبض على شخصية شهيرة فى قضية ما يتم إبراز الخبر للقاصى والدانى، وفى كل العالم أيضاً تتناثر الاتهامات حول الفنانين الذين يقعوا ضحية للإدمان بأى صورة من الصور، وتصير حكاياتهم وفضائحهم عنوانا فى وسائل الإعلام، فللشهرة ضريبة يدفعها صاحبها إذا حدثت الفضيحة.. كل هذا مقبول ومعروف، لذا فإن إبراز خبر القبض على الممثلة نهى العمروسى أثناء تناول المخدرات أمر طبيعى، ولكن اللى مش طبيعى ولا مفهوم ولا مبرر إن الممثلة تم القبض عليها مع آخرين فى مكان خاص يمتلكه مخرج شهير كما هو مكتوب فى الخبر، وهذا المخرج ليس فقط صاحب المكان ولكنه المعلم الذى يوزع البضاعة ويجلب المتعاطين ويتاجر فى الصنف، هذا المتهم حتى الآن لم يتم ذكر اسمه فى الخبر، فقط اكتفى من كتب الخبر فى كل الصحف والمواقع بذكر اسم نهى العمروسى. المساواة فى الظلم عدل وفى الفضيحة أكثر عدلاً، فنهى تم القبض عليها مع آخرين ربما هى أشهرهم ولكن هذا لا يعنى أنها وحدها تتحمل الفضيحة، فالإعلام أمام هذه النوعية من الأخبار يكون أمامه خياران إما إخفاء الأسماء كلها أو إعلانها كلها، ولكن إعلان اسم متهمة دون آخرين فيه تمييز ظالم، حتى لو كانت مخطئة ومتهمة بأبشع التهم.. فى مصر خيار وفاقوس حتى فى الظلم.. مش كده ولا إيه....!
3 - باسم يوسف حادثة أو حكاية يصعب فصلها عن مجتمع بأسره، فمنذ أن حولنا الثورى إلى إعلامى، وصاحب طق الحنك إلى محلل سياسى واستراتيجى، وبنات التحرير دون تمييز إلى ناشطات وصحفيات وإعلاميات، ومنذ أن صنعنا من المذيع قائدا وهو حايله رجل أو امرأة أغلبهم يجلسون أمام الكاميرات وفى أذنهم سماعة صغيرة يرددون بها ما يمليه عليهم آخرون، ومنذ أن صار من الوجاهة المتلازمة الثلاثية مقالة فى صحيفة وبرنامج فى التلفزيون وآخر فى الراديو، ومنذ أن صار لاعب الكرة إعلاميا، والطباخ مهنيا، وأى حاجة فى أى وقت بأى صورة ممكنة، ومنذ أن خلطنا الإعلان بالإعلام، والرأى بالخبر، والفجاجة وقلة الأدب بالأدب والفن.. منذ كل هذا وأكثر فلا تتعجب مما حدث من باسم يوسف الطبيب الماهر الذى تحول لصاحب برنامج، ثم لقائد سياسى، ثم لمحلل دولى، باسم يوسف ليس الوحيد بين آخرين سبقوه وآخرين سيلحقون به، فكم من رؤساء تحرير بأسماء رنانة كنا نعرف نحن أهل المهنة أن لهم ما نطلق عليه Shadow writer أى كاتب من الباطن يكتب له مقالاته فى كل المجالات، ففى كل مطبوعة تصدر عن المؤسسة التى يرأسها تجد له مقالة مرة عن المرأة فى مجلة نسائية، ومرة عن الاقتصاد فى مجلة اقتصادية، ومرة عن الكرة فى أخرى رياضية وهكذا، وغالباً باسم يوسف لديه كاتب من الباطن، إذاً فباسم يوسف تريند أو اتجاه مصرى، ولهذا فلم أندهش ولم أفتح فمى حين عرفت خبر المقال المسروق، كذلك لم أندهش لاعتذاره الأول الذى قال فيه إن ضغط العمل سبب هذا الخطأ، وكان عذراً أقبح من ذنب، ثم وضعه لفيديو على مواقع التواصل الاجتماعى فى محاولة منه لتأكيد أنه كان كاتب مصدر المقال ثم تداعيات الأمر وتحول حكاية السرقة إلى مشتمة بين مؤيدين ومعارضين فى بلد أغلب علمه وفنه وصحافته وحتى رصيفه مسروق، لكنى توقفت كثيراً أمام تقارير صحفية حول هذا الخبر للعديد من وسائل الإعلام الأجنبية، بما فيها البى بى سى، ذلك أن دول الغرب المتقدم مجتمعات لا تتهاون مع أمير أو غفير فى أمر السرقة كما فى مجتمعاتنا وبخاصة فى السرقة الفكرية التى نطلق عليها دلعاً اقتباسا، فحين تتقدم وزيرة فى ألمانيا باستقالتها بعد أن فضحوها لأنها منذ عقدين وضعت فى رسالة علمية معلومات لم تشير لمصدرها، يبقى نحن أمام مجتمعات لا تسامح فى مثل هذه الأمور، ولكن عجباً وجدت نقلهم للحادثة فيه كم كبير من التعاطف أو عدم الإدانة لباسم يوسف، وهو ما لا يتسق مع ثوابتهم التى يطبقوها على أكبر كبير عندهم.
باسم يوسف وكثير مما يفعل يليق بنا ولكن ما لا يليق ولا أفهمه هو موقف بعض الإعلام الغربى من حكاية اقتباسه بلغتنا وسرقته بلغتهم مش كده ولا إيه...!
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة