كمال حبيب

العودة لحالة ما قبل العقد الاجتماعى

الإثنين، 03 مارس 2014 08:05 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فكرة العقد الاجتماعى التى طرحها مفكرون غربيون مثل هوبز، وجون لوك، ومونتسكيو، وروسو، وهى تعبر عن طور فى تاريخ الفكر السياسى ينتقل فيه الإنسان من حالة البداءة الأولى حيث تسود الأنانية والبدائية إلى حالة يتنازل فيها الأفراد كل عن بعض أنانيته وحريته المنطلقة لينشأ المجتمع، أى أن فكرة العقد الاجتماعى هى تصور لانتقال الناس من حالة ما قبل المجتمع إلى حالة المجتمع.

فى المجتمع ستتحرر من أنانيتك ومن غرورك، وستعرف أن حريتك تبدأ حيث لا تضر بحرية الآخرين، وفى المجتمع هناك حكومة تحكم باسمه وتعبر عن طبيعة العقد الذى يعنى تفويضا مؤقتا لمن يحكم، فلا توجد حكومة مطلقة لا فى السيطرة والسطوة ولا فى البقاء فى السلطة، وفى المجتمع يتحول الإنسان من فرديته إلى شعوره بالانتماء للجماعة، وهو ما يعنى حفاظه على مقدراتها وعلى ملكيتها وعلى مستقبلها ووجودها لئلا يعود إلى حالة الفوضى التى كانت الغلبة فيها للقوى، أفرز فكر العقد الاجتماعى بتنويعاته المختلفة ثورات كالثورة الفرنسية والأمريكية، وأعطى للعالم معنى الحرية والمساواة والكرامة، أهم ما طرحته فكرة العقد أن المواطنين يقفون على قدم المساواة مع من يعبر عنهم من حكومات لحظة تفويض العقد للحكومة، وأنهم قادرون على استعادة ذلك التفويض حين تحين لحظة الحساب لتلك الحكومة، إما عبر الانتخابات الدورية أو عبر الضغط عليها فى حالة نقضها العقد الاجتماعى لترك السلطة بدون رغبتها، هنا المواطنون والجماهير والشعوب هم أصحاب السلطة الحقيقيين، يزدهر العمران وتتطور الحضارة والإنسان ويعم العدل والجمال وترق مشاعر الناس مع تعميق فكرة العقد الاجتماعى، وتأكيد أن الناس هم هدف العملية السياسية والوجود الاجتماعى، وأن خلل العمران وانتكاس التحضر والمدنية وإهدار كرامة الإنسان وفقدان العدل والارتكاس فى حمأة التشوه واليأس والقسوة يتعاظم حين إهدار فكرة العقد الاجتماعى، وتأتى مجموعة من الناس، أيا كانت، فتمنح نفسها حق اغتصاب السلطة بدون الرجوع إلى أصحاب الحق الأصليين، سواء أكان ذلك باسم الدين أو باسم المصلحة الوطنية أو باسم التهديدات الخارجية أو باسم امتلاك المعرفة وتقدير الأمور التى يجهلها العوام.
عرف الدين الإسلامى فكرة العقد الاجتماعى، ولابن تيمية كتاب بعنوان «العقد»، وهو يقر فيه أن كل العلاقات فى الإسلام هى علاقات تعاقدية بما فى ذلك علاقة الحاكم بأمته، فالأمة هى وعاء الشريعة وهى التى تمنح الحاكم شرعية سلطته بتنازلها لمن تتوافر فيه شروط إقامة العدل والشريعة لتنظر كيف يعمل، وحين كان هناك احترام لفكرة العقد فى الحضارة الإسلامية حدث الازدهار والتقدم، وما نعيشه الآن فى مصر خاصة وفى العالم العربى عامة يعيدنا مرة أخرى إلى حالة ما قبل العقد الاجتماعى، فما الذى يعنيه أن يتم الإعلان عن جهاز لعلاج فيروس سى والإيدز دون اعتبار لقواعد التسجيل العلمى المعاصر والعودة مرة أخرى لعالم الأعشاب والطب القديم الذى لم يعد جزءًا من تقاليد الطب المعاصر، وما لذى يعنيه أن تمتلأ السجون بالمعتقلين بعد الثورة، وأن يكون التعذيب فى الأقسام والسجون هو حديث القوم، وأن يكون الإنفاق على الأمن أكثر من الإنفاق على الصحة، وأن يكون الفساد محميا بأى سلطة كانت مع وجود تقارير من أجهزة فى الدولة تشير إلى مرتكبيه، وأن تكون بعض السلطات داخل الدولة محصنة فى مواجهة سلطات أخرى مكلفة بمراقبتها، وما لذى يعنيه أن تدعو قوى التحالف للتظاهر فيكون أغلب من يخرج من المراهقين الذين لم يبلغوا سن الحلم، ثم نفاجأ بأن شابا عمره ستة عشر عاما قد تعرض لإطلاق نار عليه، وهو بعد لا يزال فى السنة الثانية الثانوية، ثم نرى أمه وأباه وهما يتحسران ويفجعاننا بمشاهد الحزن عليه، إنها حالة ما قبل العقد الاجتماعى فكيف نستعيد العقد الاجتماعى من جديد؟.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة