تجرى الانتخابات المحلية التركية وهى انتخابات حاسمة لأنها تعد تصويتا على حزب العدالة والتنمية وفى نفس الوقت تصويتا على استمرار أردوغان فى الحياة السياسية، إنها ليست انتخابات خدمات كما هى العادة فى الانتخابات المحلية التركية، وإنما هى انتخابات متصلة بالأيديولوجية والبقاء فيما يتعلق برئيس الوزراء وبحزبه فى المشهد السياسى التركى، خاصة أن أردوغان صرح بأنه سيلزم بيته إذا لم يحصل حزبه على معدلات تصويت أعلى مما حصل عليها فى الانتخابات البلدية الماضية، لذا يلزم حصول حزبه على أكثر من %40 من الأصوات.
تمثل الانتخابات المحلية أهمية كبيرة فى تركيا لأنها افتتاح لموسم انتخابى سيليه انتخابات البرلمان ثم انتخابات الرئاسة والتى يعتزم أردوغان خوضها حيث سينتقل بالنظام السياسى من النظام البرلمانى إلى النظام الرئاسى الذى سيختار فيه الشعب الرئيس مباشرة، وفى لوائح الحزب الداخلية فإنه لا يجوز لأردوغان البقاء كرئيس للوزراء بعد استمراره رئيسا للوزراء لثلاث مرات متتالية.
بدأ أردوغان حياته السياسية المميزة مع تأسيسه حزب العدالة والتنمية وانفصاله عن حركة الملى جوروش التى أسسها شيخه ومعلمه «أربكان»، واستطاع كصوت جديد فى الحياة السياسية التركية أن يقدم تجربة للإسلام السياسى لفتت الأنظار وجعلت من الأداء السياسى له ولجيله جذبا لخبرات الإسلام السياسى الأخرى فى العالم العربى، استطاعت الخبرة أن تحقق تقدما اقتصاديا وازدهارا فى معاش الناس وتوافقا مع الوضع الدولى والإقليمى، بيد إنه مع ثورات الربيع العربى اختلت التوازنات التى كان يقوم عليها النموذج فى الإقليم وفى الداخل معا، كما أن البقاء طويلا فى السلطة جعل «أردوغان» أكثر ثقه فى نفسه وأنه موكل إليه وضع بصمة فى التاريخ التركى.
واجه «أردوغان» خصما سياسيا عتيدا هو «جماعة فتح الله كولن»، والتى كشفت عن فضيحة فساد مدوية طالت وزراء فى حكومة أردوغان بما فى ذلك ابنه «بلال»، وواجه الحزب انسحابات لعدد من النواب داخله ولعدد من الوزراء فى حكومة العدالة والتنمية، كما واجه الحزب احتجاجات وأصواتا متمردة من الشباب الجديد فى تركيا فى مواجهة ما يعتبرونه شخصية مستبدة لرئيس الوزراء قزمت مؤسسات الدولة وكشفت العورات الكامنة فى داخل النظام السياسى والمتعلقة بجوهر فكرة السلطة وأنها يجب أن تكون متداولة، وأن هناك قطاعات واسعة من الشباب تريد لصوتها أن يسمع مع نمو نزعة يمينية عاتية فى تركيا، وهذا راجع لطبيعة التحولات الاجتماعية والسياسية التى عرفتها البلاد منذ مجىء حزب العدالة والتنمية إلى السلطة فى عام 2002.
يعتقد «أردوغان» أن هناك مؤامرة يتعرض لها حزبه، كما أن المرض الذى يعانيه «مع استمراره فى السلطة لوقت كبير، ومع تقدم عمره جعله يميل أكثر إلى الشعور بالتهديد، وهذا ما جعله مختلفا عن بدايات مجيئه إلى السلطة، ومن ثم أصبح نموذج «الديمقراطية المحافظة» التى يتبناه حزبه «محافظة بلا ديمقراطية»، وأكبر دليل على ذلك التسريب الذى جاء عبر «يوتيوب»، وفيه يتحدث ووزير خارجيته ومسؤول المخابرات فى بلده عن التخطيط للقيام بعمليات عسكرية فى سوريا، كما أن «أردوغان» حظر «تويتر»، و«يوتيوب» لاعتقاده بتهديد تتعرض له بلاده، فكرة السلطة من خلال الحظر ترجع لشخصية «أردوغان» التى تستعيد عمق التشدد المجاوز للمحافظة فى نفسه عبر خبراته الأولى كإسلامى كان ناشطا فى الاتحاد الطلابى الإسلامى العالمى فى نهاية الستينيات.
تشير استطلاعات الرأى إلى أن حزب «أردوغان» هو الحزب الذى سيحصل على أعلى نسبة فى الانتخابات، ولكن كم النسبة التى سيحصل عليها؟ ذلك هو ما سيقرر مستقبل أردوغان فى الحياة السياسية التركية، إنها ليست انتخابات عادية، ولكنها ستحدد المشهد السياسى التركى القادم لسنوات عدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة