وجدت من الضرورى والملح، ونحن على أعتاب فتح الباب للترشح لانتخابات رئاسية قادمة، ونشرع فى وداع الفترة الانتقالية بقيادة سيادة الرئيس المستشار عدلى منصور، أن نوفى هذا الرجل الوطنى الشجاع الكريم حقه، وأن نقول له: إنك توليت البلاد فى مرحلة صعبة جدا من عمرها السياسى، ووسط تعقيدات اجتماعية تمثلت فى شروخ عميقة ضربت أوصال السلم الاجتماعى، وبين انحيازات دولية متعسفة تحاول أن تقلم أظافر الإرادة الوطنية المصرية، ووسط أمواج شعبية تتأرجح قناعاتها بين ضرورة الانتقال الديمقراطى الخالص، وبين سرعة حسم الصراع السياسى، ولو على حساب قواعد الحريات المتعارف عليها عالميا، ولقد نجحت سيادتكم فى أن تزن الأمور بعقلية القاضى المنصفة، وتنفذ إرادة الشعب بكل حسم، وأن ترعى الانتقال الديمقراطى بوعى مدمج بإرادة جماهيريهة.
بدأ المستشار عدلى منصور حياته الوظيفية فى عام 1970 فى مجلس الدولة، وأمضى به جل عمره القضائى ثم عين عضوا بالمحكمة الدستورية العليا فى عام 1992، ويشهد له الكثير بالعمل المخلص الواعى طوال تلك الفترة حتى تولى رئاسة المحكمة الدستورية العليا فى 30 يونيو 2013 خلفا للمستشار ماهر البحيرى، وأدى اليمين كرئيس للمحكمة الدستورية يوم 4 يوليو 2013 قبل أن يؤدى اليمين الدستورية كرئيس للجمهورية بفترة وجيزة، رتب القدر ترتيباته حتى يكون سيادة المستشار رئيسا لمصر، الدولة الكبرى، فى فترة هى الأدق من عمرها، وبعد ثورتين تكاملتا للوصول للحكم الشعبى الديمقراطى الوطنى، وبدا جليا منذ الوهلة الأولى لحكم الرئيس أنه يمارس مهام منصبه تحت إطار التكليف، جنديا وطنيا مخلصا، يؤمن بأنه يؤدى مهمة وطنية انتقالية مؤقتة، ولا ينظر لامتدادها، بل على العكس تعكس نظراته انتظارا ملهوفا لتسليم الحكم والدولة لرئيس منتخب، يقوم بمهامه فى ظاهرة لافتة وجديدة وغريبة على المجتمع المصرى الذى تعود على التصاق المسؤولين بمقاعدهم، وعدم رغبتهم فى مغادرتها طوعا، رغم رغبة الجماهير فى ذلك، وتجسد ذلك المثال فى الرئيسين السابق والأسبق برغم ثورة الشعب ضدهما.
تولى الرئيس عدلى منصور الحكم وفى يده سلطات واسعة للتشريع لم يسرف فى استخدامها، وهو القاضى الجليل الذى يمتهن القانون ويحترفه، وكان أذنا صاغية فى كل تشريع أراده الشعب وتجلى ذلك فى دعوته لقطاعات المجتمع، عندما تبدت رغبة الناس فى تغيير خريطة الطريق، فدعى السياسيين وكل القطاعات المعنية لمناقشه الأمر، واستطلاع الرأى عن قرب، وحضرت بنفسى مجموعة من اللقاءات، لمست فيها إخلاصا وإدراكا من الرئيس منصور، واندهشت لقدرات سياسية فائقة تتعاطى مع الأمور بوعى وبحس شعبى شامل، لم يصدر القاضى الرئيس تشريعا إلا وكان استجابة لضغوط الحالة أو الرأى العام ولم يتوسع فى سلطة كانت ملك يمينه.
كما أنه رعى كتابة الدستور بلجنة الخمسين بقيادة المحنك عمرو موسى، دون تدخل وبلا تجاهل، وشرفت مصر بدستور توافقى غالى على يد اللجنة العظيمة وبقيادة السيد عمرو موسى وبرعاية الرئيس القاضى الدستورى، ولمس المهتمون تناسقا دستوريا من الدباجة وحتى الأحكام العامة والانتقالية فى تجانس مدهش!
أشاد بالرئيس عدلى منصور قادة العالم العربى، كما أشادوا بمستشاريه، الذين كانوا مثالا للانضباط والوطنية فى مزيج من وضوح شخصيتهم ورؤيتهم الخاصة، وفى كل زيارات عدلى منصور الخارجية شرفت مصر به وبتمثيله لها بعد ماضٍ قريب مخجل للأسف للرئيس الإخوانى الذى غامر بمصر على طاولات السياسة العربية والغربية، كما أن الشعب المصرى استعاد إحساسه بقوة مصر الناعمة فى كل مرة استمع فيها لخطابات السيد الرئيس عدلى منصور، فرصانة اللغة وحصافة التعبير وميزان الذهب للكلمات ووضوح الرؤى والأفكار، كان فخرا لكل المصريين وإعادة لتجسيد وزن مصر الثقافى والسياسى والفكرى.
معالى دولة الرئيس هذا قبس من تبر أمتعتنا به فترة حكمك، ونحن فخورون وممتنون لك، ونسعد أن مدارس مصر المهنية ومنها القضاء المصرى مازالت فى عافيتها ممثلة فى سيادتك، نعلم أنك لا تريد السلطة، وهى أقرب إليك مما يتصور البعض، ونعلم أنك تحب مصر وشبابها ورجالها حب الأب الحازم، ونعلم أنك تريد أن تبتعد، ولكننا نريدك أن تبقى جزءاً من نظامنا الحاكم فى الفترة القادمة، فتعاونك وخبراتك حينما تضعها بين يدى رئيس قادم، ستكون إضافة ثرية لحكم قادم نتصوره بمشيئه الله سيحقق طفرة كبيرة لبلدنا الغالى، نشكرك سيادة الرئيس، ونتمنى أن تظل معنا فى مقاعد العطاء لبلدنا الغالى، وفى مراتب الحكم، حتى تستفيد مصر من تلك الخبرة والعطاء الثريين.