أما عن الاتهامات والهجمات والمعارك فهى واردة فى عالم السياسة، وأى انتخابات فى العالم الأصل هو البرامج والجدل والإقناع. وحولها معارك وانتقادات. لكننا نرى إفيهات ولا نرى سياسة من أى نوع.
والإفيهات والسخرية فهى جزء من أداء الثورة المصرية منذ يناير، وهناك تصور لدى البعض أن التنكيت كان أحد أسباب سقوط نظام مبارك، وأن الثورة كانت فى جزء منها ضاحكة. وأن سقوط مبارك بدأ بتحطيم هيبته وصورته. لكن المثير أن من أطلقوا الإفيهات الساخرة كانوا مواطنين عاديين، ولم يكونوا من بين الزعماء الذين ظهروا بعد ذلك وركبوا الموجة، وبعضهم يفتقد لخفة الدم والقدرة على النقاش.
وقد راجت فى وقت ما نظرية أن الأكثر قدرة على رص الشتيمة هو الأكثر ثورية، وتم تنصيب زعماء كانت أفضل مواهبهم هى الشتائم. وهو ما اعتبره البعض شهادة بالشجاعة والثورية، ورأينا شبابا وبناتا أرادوا الالتحاق بالثورة، وأصبحوا يتباهون بإصدار الأصوات أو استخدام الأعضاء الجسدية بلا تزويق، على اعتبار أن القدرة على الشتيمة تمنح صاحبها لمعانا أكثر فى ظل زحام الزعامات.
وفى الهشتاج الأخير الذى أطلقه خصوم السيسى، كان كل إنجاز زعماء الثورة المختفين من شهور، هو ظهورهم من خلال عداد الشير، وأنه أصبح دولياً وعالمياً. تماماً مثل التعامل المزدوج من التسريبات، فالتسريب ضد الخصوم مفيد، وضد الأصدقاء ضار بالصحة، والأمر نفسه فى الشتيمة.
وفى هذا الزحام المتزاحم يصعب التعرف على موضوع النقاش، وتتحول الشتيمة والبوستر إلى أداة دعاية لمن أرادوا شتيمته، سواء كان السيسى أو غيره. فالبوستر واضح أنه كان مجهزاً قبل إعلان السيسى ترشيح نفسه، والبوستر يخلو من خفة الدم، وربما يعبر عن الجبن والخوف أكثر مما يعبر عن الشجاعة، ولا يدخل ضمن كسر هيبة. وترويجه يدخل ضمن عمليات «اللت والعجن والهرى»، بدليل أنه انتهى خلال 48 ساعة.
ومن يروجون لكون السخرية أسقطت مبارك، يتجاهلون أن السخرية كانت أمراً فرعياً، وأن السقوط كان نتاج تراكمات لسنوات ومظاهرات، وسخرية حقيقية وليست زغزغة، ثم إن زعماء الشتائم ممن اعتبروا السب والقذف من أصول الثورية، يشبهون بعض الفنانين الفاشلين الذين ظهروا بعد سيد درويش، واعتبروا الكوكايين من أصول الموهبة الفنية، متجاهلين أن سيد درويش كان فنانا وعبقريا فى الأساس.
ربما يكون لمنتجى «بوستر السيسى» مصلحة، لكنها تاهت ضمن حملة زعماء الكوكايين.