وكأن وزراء مصر قد مسهم فيروس واحد، يستيقظ الصحفيون من نومهم ليجدوا نشرات إخبارية على بريدهم الإلكترونى تفيد بأن الوزير الفلانى قام بجولة فى المنطقة الفلانية، والوزير العلانى فاجأ الموظفين فى المصلحة العلانية، حتى المهندس إبراهيم محلب نفسه فقد عز عليه أن يظهر وزراؤه فى الصحف وهم يقومون بجولاتهم الميدانية، فخرج هو الآخر من مجلس الوزراء، وقام بجولة ميدانية فى أقرب محطة مترو أنفاق إلى مجلس الوزراء، وهى محطة سعد زغلول، وذلك لإيهام الرأى العام بأن مجلس الوزراء كله أصبح إبراهيم محلب، وأن العمل فى الشارع هو المنهج الجديد الذى سينتهجه المجلس.
المحزن فى الأمر أن معظم الوزراء يقومون بهذه الجولات بناء على «تكليفات محلب»، ما يعنى أن العمل الميدانى بالنسبة إليهم عمل «دخيل»، وليس عملا «أصيلا»، ولذلك فمن السهل جدًا أن تلحظ «التمثيل» الزائد فى أدائهم، بل إن بعضهم يقوم بجولة من أجل أن يقال إنه قام بجولة، وليس من أجل إنجاز مهمة، أو أداء واجب، أو متابعة مشروع، فأصبحت الزيارات الميدانية حمى مسعورة تضر أكثر مما تفيد، وتخسر أكثر مما تربح.
ما غاب عن وزراء حكومة محلب إنه حينما كان يقوم بزياراته الميدانية فى المحافظات المختلفة كان يتابع تنفيذ مشروعات كبيرة، محققًا إنجازًا ملموسًا فيها، كما أن محلب باعتباره مهندسًا متمرسًا كان يتمتع بخاصية غائبة عن معظم وزرائه، وهذه الخاصية هى «الفهم»، فهذا الرجل الذى عمل طوال حياته فى المشاريع الهندسية كان على علم تام بأدق تفاصيل المشروعات التى يزورها أو يفتتحها، كما أنه كان على اطلاع كبير بأدق المشكلات التى تواجه مشاريعه، ولذلك كانت معظم زياراته مثمرة، وكانت إنجازاته ملموسة، أما الآن فقد اختلف الوضع كثيرًا، وأصبحنا نرى وزيرًا للصحة مثلًا وهو يخرج ليعاين مستشفى ما، وكأنه لا يعلم علم اليقين أن ذلك المستشفى غارق فى الإهمال والفوضى، ولست هنا لأعترض على أن يقوم الوزير بزيارة مستشفى، لكن العبث – كل العبث- أن يأتى ويمشى دون أن نعرف لماذا أتى وماذا استفدنا من زيارته.