يكثر الحديث فى مصر دائماً عن التكافل الاجتماعى وأننا شعب معطاء لولا مساعدتنا بعضنا البعض لمات بعض الناس جوعاً، ودائماً ما يتردد أننا بلد متدين وبالتالى فالتدين يفرض على أهله الصدقات والزكاة، مسلمين كانوا أو مسيحيين، وتتناثر فى ربوع مصر من شرقها لغربها ومن شمالها لجنوبها الجمعيات الخيرية بمختلف أنواعها للأيتام والأرامل والأسر المحتاجة وتكثر الإعلانات فى وسائل الإعلام عن تلك الجمعيات بل إن كثيراً من البرامج التليفزيونية تستمد قوتها وشهرتها وأصل فكرتها من أنها برامج لمساعدة المحتاجين بوسائل عدة فبعضها يجمع بطاطين فى الشتاء أو يجمع أموالا لعملية جراحية يحتاجها فقير أو يساعد الغارمين أو يجهز العرائس أو يطلب وجبات للصائمين، حتى المشروعات الكبرى فى مصر التى تُعنى بما نسميه التكافل الاجتماعى مثل بنك الطعام وهدفه واضح من اسمه المساعدة على إطعام الأسر المحتاجة أو جمعية كبرى لها إعلانات بالملايين تعلن عن أهم أنشطتها وتطالب الناس بدعمها بشراء جاموسة لأسر محتاجة. خلاصة الأمر أن أقصى أشكال التكافل الاجتماعى والمجتمعى فى مصر وأغلبها وأكثرها شهرة هو فتح كُشك أو شراء جاموسة لأسرة، وهو بالصلاة على النبى أقصى أمانى فقرائنا.
فى مكان آخر من العالم وفى نفس الزمان هناك راقصة ومغنية أسمها شاكيرا هى عنوان للإغراء والإثارة فى العالم، هذه المغنية التى وصلت للعالمية لديها مؤسسة للعمل الخيرى أطلقت عليها «حفاة الأقدام» إشارة لفقراء كولومبيا بلدها الأصلى، وهذه الراقصة افتتحت منذ أسابيع مدرسة فى أحد الأحياء الفقيرة فى مدينة كارتاخينا دى أندياس أى ليس فى العاصمة، والمدرسة للأطفال الفقراء تستوعب 1700 طالب على مساحة 8 آلاف متر مربع، وهى المدرسة السادسة التى تفتتحها الراقصة لتعليم أبناء بلدتها الفقراء تعليما جيدا جداً ومجانيا فى نفس الوقت، فالراقصة شاكيرا ترى أن ما من وسيلة لقهر الفقر وعدم تكافؤ الفرص إلا بالتعليم.. وشاكيرا الراقصة مجرد نموذج يتكرر كثيراً فى العالم الغربى والشرقى من حولنا فما من ثرى أو مشهور إلا وله عشرات من الأعمال الخيرية ليس كما نفهمها نحن ولكن كما يجب أن تكون، تكافل اجتماعى لرفع شأن المجتمع. فكم من نجم وأثرياء فى مجتمعات نقول عليهم كفرة لا دين لهم يقيمون المؤسسات لتعليم الفقراء ويوقفون أكبر جزء من أموالهم من أجل رفعة وعلو شأن مجتمعاتهم بالتعليم والتدريب والأعمال الخيرية الحقيقية وليس بمجرد جاموسة أو غطاء للشتاء. إقرار الواقع جزء من العلاج، فلنقر أننا مجتمع كاذب وأننا نتدثر بالدين كزى وليس كعقيدة وأن الإخوان المسلمين الذين نحاكمهم ليل نهار ليسوا الأسوأ فينا حين استخدموا الزيت والأرز لشراء الأصوات بينما أغلب الأغنياء يشترى الحسنة كما يتصورها بالجاموسة والطعام، لا أنكر أن هذا النوع الذى نعرفه من التكافل الاجتماعى مطلوب ولكن بقدر ضئيل جداً إذا قارناه بمشروعات لتنمية المجتمع بشكل حقيقى وليس لسد الجوع وإن تعاظم شأنه، ومن العجيب أن نظرة لماضينا ليس البعيد تشير إلينا بأفضل الحلول للتكافل الاجتماعى فالأوقاف التى كان يتركها الأثرياء كانت تتجه إما للعلم أو لمجال الصحة فجامعة القاهرة تبرع من إحدى أميرات أسرة محمد على وكثير من علمائنا الأجلاء تعلموا فى الأزهر بفضل وقف من ثرى لتعليم الفقراء. فى اليابان مثل يقول لا تعطنى سمكة وأعطنى سنارة وعلمنى الصيد ذلك لأنهم يعرفون قيمة أداة العمل والعلم ولا يعيشون على منحة من سمك أو جاموس. وخلاصة القول أن الراقصة فى مصر المؤمنة المتدينة أقصى أمانيها أن تقيم مائدة إفطار رمضانية ويتساوى معها فى الأمنيات الأثرياء وكل واحد إيده طايلة، أما فى الغرب الكافر الفاجر فأقل أمنيات الراقصة، ويتساوى معها كل الأثرياء والمشاهير، أن يتعلم الفقراء ويتدرب قليلو الخبرة ويتطور المجتمع ككل لتأمن هى وغيرها. اللهم امنح مصر راقصات كثر مثل شاكيرا ولا تزد فى الجاموس!.
المثقف والسياسى:
وإذا ما كنت فى السطور السابقة أتكلم عن الأثرياء والمشاهير والتكافل الاجتماعى، فإن من يطلقون على أنفسهم مثقفين ليسوا بأفضل حالاً وإن اختلفت المشارب، منذ أيام وحين أعلن رئيس الوزراء اسم أسامة الغزالى حرب قامت الدنيا ولم تقعد وراح حفنة ممن يطلقون عليهم مثقفين هذا الزمان فى الاعتراض على اسم الوزير المرتقب وهاجت الدنيا وتساءلوا ما علاقة الرجل بالثقافة، وفى هذا الشأن لى عدة تساؤلات واستهجان من كل الأطراف، أولاً لقد هرمنا وتعبنا من كلمة مثقفين التى صارت ختم نسر للبعض وكأنها مهنة فالثقافة ليست صفة مرتبطة بمهنة وكم قاست مصر من مثقفيها الذين قيل عنهم يوما أن لهم حظيرة يجتمعون فيها وأن أغلبهم يسير على مبدأ العصا والجزرة، وبالتالى فعبارة إن المثقفين يرفضون ويقبلون عبارة غير دقيقة فلا هم على قلب رجل واحد ولا هم جماعة ضغط حقيقة إلا بارتفاع الصوت، ولا أقول هذا الحديث لأنى كنت أو مازلت من مؤيدى وجود أسامة الغزالى الحرب أو غيره على رأس تلك الوزارة، فهذه وزارة لو أتوا بملاك ليديرها أظنه سيعود طالبا العفو والسماح من رب العباد عن هذه المهمة وإعفاءه منها، ولكن للحق المشكلة لا تقع فقط على عاتق المثقف مهما جمعته الحظائر، فالسياسى الذى يمثله السيد رئيس الوزراء أيضاً يقع فى دائرة مغلقة فهو أيضاً محدود بحظيرته المحيطة، أحترم د.أسامة الغزالى حرب وإن اختلفت معه ولكنى أقدر قيمته كباحث ولا أنسى أنه قال للغولة، لجنة السياسات، إن عينها حمرا فى عز قوتها، وقد يكون وزير للثقافة مناسبا فى زمن آخر لكن تظل الأزمة بعيداً عن اسمه المطروح، فالأزمة أن المثقفين يريدون بقاء الحظيرة والسياسيين أيضاً يختارون من الحظيرة التابعة لهم.