الحياة قصيرة عموما، طويلة بما يقدمه الإنسان ليبقى. نحن نعرف هذا لكننا نتجاهله، ويبخل الأحياء بالكلام الرائع عن الآخرين، كأننا نحتفظ بالألقاب الفخمة والمشاعر الجياشة للراحلين. ربما لو قلنا كل هذا الكلام لمن نحبهم وهم بصحتهم أحياء، لتغيرت أشياء كثيرة، وسعد الأحياء قبل أن يرحلوا، وليجاهر كل شخص بمشاعره تجاه من يحبهم، قبل أن تصبح المجاهرة عبثا.
نقول هذا بمناسبة رحيل صديقنا وأخينا عزازى على عزازى، وهذا الفيض من الحب الذى يكشف عن شخصية شبه متفق عليها، هل كانت تفرق لو تلقى كل هذا حيا؟. نحن نفضل الرثاء على المدح، ونفضل البكائيات على الكلام الحى، لكن عزازى باق معنا، بأعماله، هذه الكلمات الغزيرة عن عزازى تكشف كيف نختزن كل هذه الأوصاف، لكنها تكشف أيضا أن السيرة الطيبة طيبة ومستمرة. وعزازى كان واحدا من أصحاب السيرة الكبيرة الرائعة التى تربطه بالكل.. سوف تجد له حكاية مع كل واحد.
قبل 16 عاما فى 1998 رحل صديقنا صلاح عزازى فى حادث، وهو فى طريقه لقريتهم أكياد، ورحل معه ابنه الرضيع، أصيبت زوجة صلاح وأصيب عزازى إصابات بالغة، وأصيبت زوجته زميلتنا سوسن الدويك.
صدمنا الرحيل المفاجئ لصلاح، وذهبنا لندفنه ونحضر العزاء.
يومها كتبت عن صلاح أنه أحد من يملكون يقين النمل، النمل يعمل من الصباح للمساء بلا كلل، ربما لايرى ناتج عمله، لكنه يمتلك يقينا أن عمله سوف يرى، ويؤثر فى العالم.. يعمل ويستمر.
كان صلاح ومئات وملايين المصريين مثله يعملون كالنمل، وبيقين النمل وليس أمامه خيار آخر، وبيقين هؤلاء «النمل» تسير الحياة وتبقى.
ومن هذا النمل كان عزازى الذى نجا من الحادث قبل 16 عاما لكى يموت فى الصين، وهو يكابد المرض، نجا من حادث فى الشرقية، ومات بالمرض فى الصين، «وماتدرى نفس بأى أرض تموت».
رحل عزازى وهو يمتلك يقين النمل، ظل يعمل ويتحدث ويناضل ويحلم، حتى وهو يودعنا الوداع الأخير قبل سفره.
عزازى تخلى عن منصب المحافظ عندما لم يجد أهمية للاستمرار، وترك عند كل من أصدقائه وأحبابه «أمارة» وعلامة وقصة وضحكة، ويقين لايتزحزح بأن «افعل ماعليك واترك الباقى على الله».
عزازى منا.. يمتلك يقين النمل، يدافع عن يومه وغده حتى آخر نفس بابتسامة عرض الشمس، وملء القلب، ولهذا سيبقى مع كل من يملكون يقين النمل.