فى هذا الوطن.. على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وما يدفعك دفعًا نحو أرض الرضا والمحبة.
شوف يا سيدى.. اسمها مروة، وأنا لا أعرفها، فقط أعرف أنها تملك واقعة قادرة على إذابة جبل الهموم بداخل صدر كل واحد فينا، مثلها مثل ملايين المصريين ركبت الميكروباص عائدة إلى منزلها، فى الميكروباص أصناف مختلفة من البشر، تجسيد حقيقى لمصر التى نعرفها ونفتقدها، وفى وسط هذا الخليط البشرى سيدة تحمل طفلة عمرها 3 سنوات، الطفلة تبكى بشكل متواصل، أنت تعرف قطعا هذا النوع من البكاء الطفولى الذى يصل إلى حد الصراخ ولا تجدى معه محاولات الأم نفعًا، وتعرف أيضا أن الحضور فى مثل هذه المواقف التى تنشر أجواء النكد والصداع خاصة بعد العودة من يوم عمل حافل وفى ظل زحام طريق خانق، لا يملكون سوى ردود فعل تنتمى لفئة التأفف، لدرجة تجعل وجوه كل الركاب وكأنها ملامح تصرخ للأم «خدى بنتك وغورى من هنا.. احنا مش ناقصين»، وفجأة قطع صوت صراخ الطفلة المستمر ومحاولات الأم لاسترضاء الركاب والاعتذار لهم صوت «فرملة» الميكروباص الفجائى، اتخذت ملامح الأم شكل الصدمة والخجل والتخوف من أن يطالبها السائق بالنزول، فتح السائق بابه ونزل من السيارة وهرع عابرا الطريق وسط ترقب الحضور وبكاء الطفلة الصغيرة.. ثم ظهر فجأة من بين السيارات العابرة وهو يحمل بالونة حمراء وانطلق نحو الطفلة الصغيرة الباكية ووضع البالونة فى أحضانها بعد مداعبة خفيفة منه كانت سببا فى توقف الطفلة عن الصراخ وتصديرها لابتسامة ملائكية وزعت الكثير من الراحة والرضا على وجوه كل الركاب.. عاد السائق إلى موقعه خلف عجلة القيادة وسط صمت الحضور وذهول الأم وضحكة البنت، والكثير من المشاعر فى عيون الجميع، تقول: ولماذا لا نجعل العالم أفضل؟ لماذا لم نفهم بعد أنها وفقا للوصف الربانى مجرد جناح بعوضة لا يستدعى أن نصدر بسببه «التكشير» والخصام والعنف للآخرين الذين يشاركوننا نفس الطرقات والأسواق والمواجع.
السابق من الكلام قصة ليست خيالية، ولا مشهدا مصطنعا فى فيلم هدفه انتشالك من بحور الكآبة التى تغرق فيها مصر، بل قصة حقيقية تطرق الباب على ضميرك لكى يستيقظ من نومه أو غفوته ويدرك أن الملايين من أبناء هذا الوطن لم تنجح السياسة ولا أوجاع الحياة فى قتل إنسانيتهم مهما كان الخلاف ومهما كان الجرم.
لا تسمحوا لهم بأن يسرقوا أو يشوهوا آخر ماتملكونه.. أرواحكم وضمائركم، دعهم يسرقوا الكراسى، ومنصات القتال السياسى، ولكن لا تسمح لهم أبدًا بأن يضموك إلى طوابير الوحوش التى يصنعونها ليحركوها بأمر من المرشد أو بغمزة عين من الجنرال.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة