عندما منع العالم المتحضر كله جوازات السفر عن الفلسطينيين فى الشتات، بعد أن شردهم الاحتلال الصهيونى من وطنهم، منح هو الفلسطينيين المئات من جوازات السفر التى تحمل أختام المئات من دول العالم، ومنحهم التأشيرات لأمريكا ولكل الدول الأوربية مجانًا
وبدون وقوف فى الطوابير أمام السفارات الأوروبية، منح التأشيرات لرفاقه فى "أيلول الأسود" لألمانيا، ومنحنى أوقاتا من الفرح فى بيروت طوال فترة الحرب الأهلية، لم يمنحه أحد إلا الحب والمودة، هو "خالد الجاسم" الذى عرفه الجميع باسم "أبو الوليد العراقى"، منحه القائد "أبو إياد" ثقة بلا حدود فمنحه بالمقابل إخلاصًا بلا حدود، عرفته عن طريق صديقى "عاطف بسيسو"، الذى كان أقرب خلق الله إلى قلبه ووجدانه، وبالرغم من أنى كنت أكبره سنا بأربع سنوات، وأكبر من "عاطف" بسنتين إلا أنه كان بالنسبة لى أخى الأكبر، كان يضحك بفمه الصغير ويسألنى: "لما أنا أبقى أخوك الكبير لازم أبو فايق يبقى أبوك"، لم يكن يسمى "عاطف" إلا " أبو فايق " ولم يكن يسمينى إلا "أبو وسيمة"، لم يقتل أحدًا فى حياته، بالرغم من اشتراكه فى كل العمليات الكفاحية التى قادها "أبو إياد" وتلميذاه النجيبان "أبو محمد العمري" و"عاطف بسيسو"، كان عراقى الأصل، فلسطينى الانتماء بكل خلية فى دمه، وكان انتماؤه للقائد "أبو إياد" بكل خلية فى دمه، فى 14 يناير 1991 اغتال الموساد الإسرائيلى "أبو إياد".
كان "خالد الجاسم" فى إيطاليا، فكيف لا يحضر الجندى "أبو الوليد العراقي" جنازة قائده الشهيد المغدور فى تونس؟ فى مطار "روما" تم اختطافه: اختطفه الموساد الصهيونى وحملوه إلى طائرة أمريكية خاصة، وظل مصير "أبو الوليد" غامضا، غير أن معلومات عن نقله بين السجون الفيدرالية فى أربع ولايات أمريكية كانت متوفرة لدى أعضاء مكتب منظمة التحرير الفلسطينية فى واشنطن الذين كانوا يتابعون الأمر، فى محاكمته أنكر كل التهم الموجهة ضده وأصر على أنه ليس الشخص المطلوب اعتقاله أو تصفيته على "قائمة جولدا" والموساد الإسرائيلى.
لم يعترف "خالد الجاسم" مطلقًا بأنه هو نفسه "أبو الوليد العراقى" غير أن المحكمة حكمت عليه بـ 19 عامًا، قضاها كلها فى السجن إلى أن تم الإفراج عنه فى 19 فبراير 2009، وهنا بدأت المأساة الحقيقية: أكدت السلطات الأمريكية أنها لا يمكنها إطلاق سراحه بدون إثبات شخصيته، وقبول أى دولة عربية لاستقباله، فالعراق رفضت تسلمه، وأرسل له المسئولون الفلسطينيون جواز سفر أحمر "دبلوماسى" حقيقى وليس على طريقة "أبو الوليد"، غير أنه لا يمكنه العودة إلى فلسطين، لأن الموساد هناك ومازال يطلب رقبته، وبالفعل تم إرسال هذا الجواز إلى دائرة الهجرة فى أمريكا التى لم تكتف بذلك، بل اشترطت أن تحصل على قبول دولة عربية على استقباله فى شكل رسمى.
وبعد الاتصال بعدد من الدول العربية، وافقت الجزائر على استقباله، ثم تملصت الجزائر من الأمر ولم تستقبله، ولم تستقبله كما لم تستقبله أية دولة عربية، إلى أن وافقت السودان على استقباله، لم يعد "أبو الوليد العراقى" إلى العراق وهى وطنه الذى ولد فيه، ولم يعد إلى فلسطين التى منحها حياته لأن رأسه مطلوبة عند المحتل الصهيونى، ومهما كان الأمر شاقا على روحه إلا أن من تبقى على قيد الحياة من رفاقه ومن أصدقائه لا يستطيعوا عمل أى شىء سوى أن يمنحوه على البعد خالص مودتهم وأن يقولوا له: ألف الحمد لله على سلامتك يا أبا الوليد.
براء الخطيب
خالد الجاسم.. إدارة الجوازات العالمية.. الحمد لله على سلامتك
الأحد، 09 مارس 2014 11:10 م