أحمد الجمال

اللقحة وأولادها من أبى سرح إلى مرسى

الثلاثاء، 01 أبريل 2014 11:03 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
فيما كنت أقلب فى دماغى عن أى شىء وأى أمر أكتب لـ«اليوم السابع»، وفيما كانت تقرعنى الأخبار إما بالرنة التى يصدرها الهاتف عند تلقيه رسالة أو بمطالعة شاشة التليفزيون، وأيضا بتصفح الجرائد تكاثرت العناوين وتزاحمت حتى صارت وكأنها قطيع «تكاتك» مختلط بأرتال من الكارو والتروسيكلات والموتوسيكلات والدراجات والمشاة، تمضى بين صفوف الأوتوبيسات والميكروباصات والسيارات الملاكى والأجرة، وكلها فى ضجيج تكاد لا تسمعه من شدته وصخبه وإيذائه لأذنيك، فيضطر عقلك الباطن والواعى إلى تجاهله وإلغائه!
عندئذ تذكرت النكتة التى طالما سمعتها من عم الساخرين محمود السعدنى، ويقول فيها إن أمن الدولة أيام كان أمن دولة بحق وحقيق تلقى بلاغا عن شخص يقول إنه شيوعى قارح، وأنه يخزن فى بيته منشورات بالأكوام، وعند التوقيت المحدد داهموه وبيته، ومع الإكراميات السريعة من نوع اللكش والزغد والصفعات المحترفة على قفاه والشلاليت إياها والتهديد بأن يشاركه أهله فى الحفل، صاح من فوره: «خلاص.. سوف أعترف وأدلكم على المنشورات». وقادهم إلى بدروم له باب سحراوى وفتحه وإذا بأكداس من رزم الورق مرصوصة بالمئات.. ومد رئيس المأمورية يده وأخذ أول رزمة وفتح وإذا بالأوراق بيضاء.. ورزمة ثانية وثالثة، وكان لابد من استدعاء المعمل الجنائى لتبين نوع الحبر المكتوب به، لأن صاحبنا فقد القدرة على الكلام من شدة الضرب، وفى لحظة دخل مدير أمن الدولة ونظر للرجل وربت على رأسه وطمأنه وأمر له بماء وشاى وسأله برفق: بلاش بهدلة أكتر من كده وأسرتك سامعة «صواتك» - صراخك - قل لى فين المنشورات لأن المعمل الجنائى لم يكتشف الحبر السرى الذى كتبت به هذه الرزم؟! ورد الرجل بهدوء: يا باشا تعالى نحدد مشاكل البلد وبلاويها التى يمكن أن تتناولها المنشورات، وأخذ الرجل يعد ويحصى على كل الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والإقليمية والدولية، واستمر لعدة ساعات فإذا بالمدير يقول: بس بس كفاية.. كل ده؟! ورد الرجل بهدوء: علشان كده لم أكتب حرفا واحدا.. أصلى حاأكتب إيه واللا إيه واللا إيه..؟! فقلت أوزعها بيضا والناس ستفهم أنا عايز إيه من غير ما أكتب أو أتكلم!
من ناحيتى فقد كنت أطالع قبيل الإمساك بالقلم كتاب «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» تأليف محمد بن أحمد بن إياس الحنفى، وهو مجموعة مجلدات حققها وكتب لها المقدمة المحقق المؤرخ طيب الذكر محمد مصطفى، وقد بدأ ابن إياس الكتابة وهو معاصر لنهاية دولة المماليك ودخول الغزو العثمانى إلى مصر.. وبالطبع وكعادة كل مؤلفى تلك العصور كان المؤلف يبدأ بخلق الأرض ثم يمضى إلى أن يصل إلى الأيام التى يعيش فيها فيرصدها يوما بيوم.. وتوقفت فيما كنت أقرأ بدائع الزهور عند سنة أربع وعشرين هجرية، وقد كتب ابن إياس «ثم دخلت سنة أربع وعشرين فيها جاءت الأخبار بوفاة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رحمة الله عليه، فحزن عليه عمرو بن العاص حزنا شديدا وجلس للعزاء، قال ابن عبدالحكم: عاش أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بعد فتح مصر ثلاث سنين.. ثم دخلت سنة خمس وعشرين وفيها عزل الإمام عثمان بن عفان رضى الله عنه عمرو بن العاص عن ولاية مصر وولى عبدالله بن أبى سرح على مصر، فكانت مدة ولاية عمرو بن العاص على مصر هذه المرة هى ست سنين إلا أشهرا وسيعود لولاية مصر ثانيا، كما سيأتى ذكر ذلك فى موضعه وهو أول من جبى خراج مصر فى الإسلام، وقد بلغ خراج مصر فى أيامه إلى اثنى عشر ألف ألف دينار» انتهى.. وهنا ألفت أنا الأنظار إلى الاثنى عشر مليون دينار بأسعار النصف الثانى من القرن السابع الميلادى!.. تخرج من مصر وتتجه للمدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة وأتم السلام.
وأعود إلى ابن إياس وبدائع الزهور حيث يستكمل: «ولاية عبدالله بن سعد بن أبى سرح بن الحارث القرشى العامرى رضى الله عنه.. وقيل كان اسمه حسام وقيل عوف، قال الكندى: كان عبدالله هذا أخا للإمام عثمان بن عفان من الرضاع وكان من جملة كتبة الوحى.. ونقل الشيخ جلال الدين السيوطى أن عبدالله هذا أسلم قديما ثم افتتن وخرج من المدينة إلى مكة فارتد إلى دينه فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة أهدر دمه فجاء عثمان إلى النبى صلى الله عليه وسلم وقال «إنه أخى من الرضاع» فأمنه الرسول وسأل له المبايعة ثانيا فبايعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثانيا وقال: الإسلام يهدم ما قبله فلما ولى عثمان الخلافة ولى عبدالله بن أبى سرح على مصر.. فلما ولى أظهر له نتيجة فى خراج مصر وأورد أربعة عشر ألف ألف دينار فقال عثمان بن عفان رضى الله عنه لعمرو بن العاص: «درت اللقحة بعدك يا أبا عبدالله بأكثر من درها الأول» فقال عمرو بن العاص «نعم ولكن أجاعت أولادها».. وإن هذه الزيادة - والكلام ما يزال لابن إياس - التى أخذها عبدالله بن أبى سرح إنما هى على الجماجم، فإنه أخذ على كل رأس دينارا خارجا عن الخراج، فحصل لأهل مصر بسبب ذلك الضرر الشامل وكانت هذه أول شدة وقعت لمصر فى مبدأ الإسلام» انتهى الاقتباس عن كتاب بدائع الزهور طبعة الهيئة المصرية العامة للكتاب القاهرة 1982 الجزء الأول ص 112 - 113.
طيب أكتب أنا أم تكتبون أنتم أم نتوقف ونقول حانكتب إيه.. واللا إيه؟! اثنا عشر مليون دينار وتزيد فى عام واحد إلى أربعة عشر مليونا، وجاءت الزيادة على حساب قوت أولاد اللقحة أى «البقرة» الذين جاعوا حسب شهادة عمرو بن العاص الذى كان يعرف بدهاء شديد ما هى الجرعة الضريبية التى تحفظ حياة البقرة وأولادها.
ومن الشدة السرحية نسبة إلى ابن أبى سرح أو الشدة العفانية نسبة إلى عثمان بن عفان.. توالت الشدائد حتى وصلنا إلى الشدة الإخوانية المعاصرة الحالية التى لم ولن تكتفى بتجويع أولاد اللقحة، وإنما اتجهت وتتجه بضراوة غير مسبوقة إلى إحراق اللقحة أى مصر كلها أرضا وزرعا وضرعا وبشرا وثروات!
تأملوا معى هذه السلالة التى جعلت الدينار أولا هدفها ونصب عينها، فلما أفلت منها قررت أن لا تترك عامرا إلا وخربته ولا أخضر إلا وأحرقته، وقد اختارت الأطفال والمراهقين والشباب من الجنسين لأداء هذه الجريمة فى حق الوطن لتضمن أن يتكرس تراث العداء والكراهية والثأر وانعدام الرحمة فى أجيال لاحقة!
عن ماذا نكتب، وقد وصلت المحروسة إلى قلب الخطر وليس حافته ونسمع ونتابع وربما نكون ضحايا فى أية لحظة لإطلاق النار العشوائى فى محطات القطارات أو لانفجار مخازن أنابيب البوتاجاز أو لقنابل وضعت فى محطات المترو والنقل العام والجراجات العامة وفى أكثر من حرم جامعى؟!
ماذا نكتب والبعض مازال يتعامل مع المعادلة السياسية بالهزار الذى كان يصلح للمعادلة الطلابية واتحاداتها أو يصلح لأحزاب الشلل والدكاكين والاسترزاق؟
ماذا نكتب وقد ظهرت مساخر آخر الزمان، حيث سطع نجم قطر العظمى وطفلها المعجزة تميم؟!
المرة المقبلة سأترك المساحة بيضاء وأذيلها بسطر واحد من خمس كلمات لن أكتبها الآن.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة