وفى الحياة حين نسير، فنحن لسنا بمفردنا. وكلما اتسعت دائرة من نهتم به، عرفنا معنى الحياة وقيمتها. يقولون: "لم يبدأ بعد فى الحياة من لم يرتفع فوق حدود اهتماماته الفردية إلى اهتمام أكبر وأوسع بالبشرية كلها". وأيضًا يقولون: "يبدأ الإنسان فى الحياة عندما يستطيع الحياة خارج نفسه". فكلما عاش الإنسان الحياة مُركزًا على حاجاته ومشكلاته وآلامه وطموحاته فقط، ازدادت أعباؤه واشتدت حمولة الطريق ثِقْلًا. فالألم حين يتشارك فيه الجميع، تخفّ وطأته. والسعادة حين يتبادلها البشر، تنتشر فى الحياة كعبير الورود بين رواد الطريق؛ فمشاركة الألم والسعادة تساعدنا جميعًا على استمرار السير فى طريق الحياة؛ "فرَحًا مع الفرحين وبكاء مع الباكين".
فى أحد سباقات الجرى فى أولمبياد "سياتل" للمعاقين، كان المتنافسون تسعة، ومعاقين إما جسديًّا أو عقليًّا. وقف المتسابقون جميعًا على خط بداية سباق المئة متر، وأُطلقت إشارة بَدء السباق. لم يستطِع الجميع الركض، ولٰكنهم أحبوا المشاركة فيه. وبينما هم يجرون، انزلق أحد المشاركين وسقط على الأرض وبدأ فى البكاء من ألم السقوط، وسمع صوت بكائه الثمانية الآخرون. فما كان منهم إلا أن أبطأوا جميعًا ناظرين وراءهم نحو رفيق السباق، وتوقفوا عن الركض وعادوا إليه جميعهم. جلست إلى جواره فتاة منغولية، وسألته: أتشعر الآن بتحسن؟ توقف بكاؤه ليُرسم على وجهه إحساس عميق بالراحة والسعادة؛ فهو لم يعُد وحده فى الطريق إذ هناك من يشاركه آلامه. ونهَض الجميع ومشَوا جنبًا إلى جنب نحو خط النهاية ليصلوا جميعهم معًا. فما كان من الجماهير الحاضرة إلا أن وقفت جميعها مهللة ومصفقة للمتسابقين جميعًا، ليدوم هٰذا التهليل والتصفيق طويلًا، فى حدث ظل عالقًا بالأذهان يقصونه على الآخرين. فالحياة ليست مجرد سباق له فائز واحد، وإنما عمقها وجمالها فى أن يعمل الجميع ليصلوا معًا فائزين إلى خط النهاية.
يُحكى عن أحد أبطال سباق السيارات الأرچنتينى، وقد فاز ببطولة العالم وبعديد من الجوائز العالمية، وكانت مهارته قد بلغت الدرجة التى تمكنه من أن يسير بسرعة تصل إلى 150 ميلًا فى الساعة، أنه امتاز بتواضعه الشديد ومحبته للغير. فكان متى سار فى الطرق السريعة، يندفع وراءه الشباب بسياراتهم يريدون اللحاق به وتخطيه فى تحدٍّ وغيظ شديدين. وكان يستطيع أن يتحداهم، ويُظهر لهم فشلهم، وقدرته على تخطيهم بسرعة فائقة حتى يبدوا كأنهم واقفين فى أماكنهم! لٰكن هٰذا البطل لم يكُن يستعرض إمكاناته ومهارته، بل كثيرًا ما كان يهدئ سرعته متى رأى البعضَ يريد تخطيه؛ فيتركه يعبر. لم يكُن إنسانًا متكبرًا بل محبًا مدركًا أن الحياة هى فى أن تساعد وترفع وتحمل مع الآخرين، لا أن تحقق الفوز لنفسك فقط دون اعتبار لمن يحيَون معك. إن أسمى ما فى الحياة أن تكون عظيمًا بالخروج من ذاتك إلى الآخرين! إنها حقًا سباق فى العمل والبناء نحو الجميع وعن الحياة ما زلنا نُبحر.
* الأسقف العام رئيس المركز الثقافى القبطى الأُرثوذكسى.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة