أحيانا ينتظر القارئ كاتبا ما يعرفه مُفضلا لديه ليقرأ له مقالا أو كتابا، وأقول أحيانا، ولكن دائما ينتظر الكاتب أو الصحفى القارئ الذى لا يعرفه ليقدم له ما يكتبه ظنا وأملا أن يجد القارئ فيه مرآة لفكره، أو إضافة لعقله، أو تفسيرا لأزمته، أو حلا لمشكلته، أو مجرد تفريغ لهمومه، ولكن بينما الكاتب يبحث عن كل هذا ليقدمه لقارئه، فهو أيضا وقبل وبعد كل هذا يبحث لنفسه عن ملجأ على كتف قارئه ليرتاح عليه، فاسمحوا لى اليوم أن يكون مقالى مجرد فضفضة فى آخر الأسبوع.
- الشاب المنتمى لحملة حمدين صباحى الذى أخرج لسانه للمختلفين معه ورغم اعتذاره، يظل خروج لسانه بهذه الطريقة له دلالة بغض النظر عن الاعتذار، فتخريج اللسان للغيظ من شيم العيال، أى أنها حركة معيلة، ولكنها حركة أيضا تدل على المكايدة من الكيد، وهى صفة لصيقة فى التراث والمفهوم العام بالنساء، فالسابقون قالوا كيد النسا غلب الرجال، وللأسف تلك صفتان ملتصقتان بأغلب السياسيين الذى طفوا على سطح مصر منذ ثورة يناير، بل إن المكايدة والمعيلة صارت صفة لصيقة أيضا بأغلب الذين يظهرون على شاشات التليفزيون، ويقال عنهم إعلاميون بداية من البرامج الساخرة كباسم يوسف وأحمد آدم، ومرورا بكل البرامج اليومية وغير اليومية، فالكل يكيد ويغيظ فى الآخر، والغريب والمثير أن كثيرا ممن يقال عنهم شيوخ كان هذا توجههم منذ غزوة الصناديق، وموتوا بغيظكم، إذن نحن أمام حالة مرضية حقيقية تستشرى فى الوطن وتنتشر كانتشار النار فى الهشيم، وكأننا صرنا «مجتمع عيل»، ولامؤاخذة منسون، من نون النسوة.
- كان هذا أسبوع جمع التوكيلات للمرشحين للرئاسة وإعلان آخرين قرار دخولهم السباق الرئاسى على الأقل إعلاميا، حيث إن اللجنة المنوط بها إعلان المرشحين الرسميين لم تعلن نتيجتها بعد.. الترشح لرئاسة أى دولة هو الترشح لأرفع منصب فيها، ولكن ما يحدث فى مصر تجاه هذا المنصب صار بعضا منه مسخرة، سواء على مستوى التصريحات أو حتى توجه الجمهور، فقد حظى مبارك بعدد لا بأس به من التوكيلات، كما حظى عنان هو الآخر ببعض التوكيلات، ولذا لا أملك أمام هذه الحالة إلا أن أتمثل بيحيى الفخرانى فى فيلم الكيف حين ذهب إلى عزاء صديق وهو مسطول فقال له أحدهم: هو أنت جاى تعزى ولا تهزر، قال له: لأ أنا جاى أهزر، وها نحن أمام انتخابات رئاسة مصر نسمح بالهزار، ولكنه هزار سخيف مللنا منه وسيفسد علينا أيامنا.
- من يعيش فى هذا البلد كلما مرت عليه الأيام شعر أن مصر فَرَطْت مننا تماما كالعقد اللولى الذى يفرط من رقبة صاحبته وتتناثر حباته على الأرض ليذهب كل منها فى اتجاه مختلف ويصعب على صاحبة العقد أن تلحق به، فكلما جرت لتأتى بواحدة وجدتها ابتعدت وزاد تناثر حبات اللؤلؤ، ما ومن الذى فرط عقد مصر من شمالها لجنوبها، ومن شرقها لغربها، ومن شبابها لعجائزها، ومن مسلميها لمسيحييها، هل هى ثلاثون عاماً مضت فرطت العقد أم ستون أم أكثر أو أقل؟ ليس هناك من إجابة أكيدة، ولكن المؤكد الوحيد أن مصر فرطت مننا.
- منك لله يا عمرو أديب، فقد خرج كل من جلس إلى جوارك فى برنامجك «القاهرة اليوم» لينتشروا على الشاشات وهم متصورون أن أسلوبك وصوتك العالى، بل صراخك أحيانا، هو سبب نجاحك واستمرارك، وبالتالى صار سلو الإعلام فى بلادنا سلو عمرو أديب، والمشكلة أنهم لم يدركوا أن أسلوبك خاص بك، وأن المشاهدين قد يتجاوبون مع مذيع واحد فى برنامج واحد على شاشة واحدة بهذه الصورة، لكن أن يحدث استنساخ عام لعمرو أديب بأسلوبه وصوته وحتى تعبيرات وجهه.. كده كتييييير، ولذا منك لله يا عمرو أديب.
- كشفت أزمة أسوان فى الجنوب كأحداث أخرى كثيرة متعاقبة عمق جهل المصريين بعضهم ببعض، فأهل الشمال لا يعرفون أهل الجنوب إلا من المسلسلات، والمسلسلات كاذبة، فلا كبير القرية هو جمال سليمان أو الفخرانى، ولا نساؤها هن فادية عبدالغنى أو نرمين الفقى، الجنوب جرح غاطس فى النهر والمسلسلات لا ترينا إلا طرفا من الطرف، وأغلبه كاذب، وهل من المصادفة أن يُعرض الآن مسلسل بعنوان سلسال الدم تدور أحداثه فى الصعيد من تأليف مجدى صابر وبطولة عبلة كامل، وقد يكون المسلسل واقعيا فى أحداثه وموضوعه وهو الثأر، ولكن كعادة مسلسلاتنا التى تصور الجنوب كفلكلور وبنات الصعيد ونساءها بكامل أناقتهن ومكياجهن ورجاله بأروع الجلاليب، الصعيد الحقيقى هو ما يحدث الآن ونراه على الشاشات، ليس كمسلسلات، ولكن كخبر أو تقرير فى نشرة أخبار، فيا أيها الفنانون أرجوكم انظروا جيدا فى التقارير الخبرية لتستطيعوا أن تنقلوا لأهل الشمال وبحرى صورة واقعية من الجنوب.