إبراهيم عبد المجيد

مصر التى صارت عارية

الجمعة، 11 أبريل 2014 06:54 ص

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
أعترف أننى لأول مرة بعد ثورة يناير 2011 يصيبنى اليأس. كنا نحلق مع النجوم ونحن نرى غالبية الشعب المصرى العظمى على قلب رجل واحد فى الشوارع والميادين والبيوت، ترفع الشعار العظيم «الشعب يريد إسقاط النظام». لم يكن ضد الثورة والشعب غير قليل من الحزب الوطنى ولجنة السياسات جعلوا من إعلام الدولة وصحفها ذلك الوقت أضحوكة، وكان أكبر ما لديهم بعد مقتلة 28 يناير هو موقعة الجمل، التى كانت نقطة التحول الكبيرة فى استمرار الثورة ونجاحها فى خلع محمد حسنى مبارك. ومثل أى ثورة حقيقية لم يكن سهلا أن تمضى فى طريقها الصحيح دون صعوبات. كان متوقعا أن يلتف عليها النظام القديم، وكنت أضيف إليه جماعة الإخوان الضالين التى لم أعتبرها أبدا فصيلا وطنيا، فالطبع يغلب التطبع، والطوائف الدينية التى تعمل بالسياسة لا ترى أحدا على طول التاريخ خارجها، ولا ترى وطنا من أرض وماء لكن من فكرة قد يصلح لها عصر ولا تصلح بقية العصور. تماما كفكرة الخلافة التى انتهى عصرها مثلما انتهى عصر الأممية الشيوعية! لا أحد حقق الخلافة بعد سقوط الدولة العثمانية أمام صعود عصر القوميات فى أوروبا فى القرن التاسع عشر، ولا أحد استطاع ذلك بعد انتهاء عصر القومية فى العالم العربى وصعود الفكر الإسلامى السياسى.

لم أكن وحدى فى عدم اعتبار الإخوان جماعة وطنية، لكن صوتنا كان ضعيفا أمام الليبراليين إلى أقصى مدى، الذين رأوا الثورة وقد اتسعت للجميع يمكن أن يستمر اتساعها فى العمل بعد ذلك على الأرض. انتهى الأمر بثورة أخرى على جماعة الإخوان الضالين الذين أظهروا كل شىء قبيح فى قيادة البلاد بعد أن أوصلهم الثوار إلى الحكم نكاية فى النظام السابق ممثلا فى أحمد شفيق. كنت من المبطلين أصواتهم، فلا النظام السابق سيستطيع قيادة البلاد مرة أخرى، لأن الثورة أظهرت قيما وأدبيات ورؤى سياسية سابقة لهذا النظام بكثير، وكسرت حاجز الخوف لدى المصريين، ولا الإخوان سينفذون أهداف الثورة. فالمقدس هو أهداف الطائفة، أعنى الجماعة. على الجانب الآخر كنت أحلم أن تستطيع الثورة اختيار أى شكل من أشكال القيادة لها يلتف حوله الثوار. شخصا أو عددا من الأشخاص يشكلون مجلس قيادة للثورة. للأسف تشكلت جبهات وأعلنت عشرات الائتلافات، تصوروا أن طريق الديمقراطية انفتح دون رؤية أنه يمكن أن ينغلق مرة أخرى، لأن من فعلوا الثورة صاروا شيعا وأحزابا، والأهم أنهم كأفراد نادرا ما تجد منهم التفافا حول أحد، فمن يؤيدون هذا لا يتوقفون عن نقد ذاك، وأحيانا بما لا يجب من ألفاظ.

على أن أخطر ما جرى وندفع ثمنه الآن هو حملة الشباب على العواجيز، فى الوقت الذى انقسموا فيه بينهم وعليهم فى أول انتخابات، فكلهم تقريبا انقسموا بين العواجيز، واعتبروا أن الشاب الوحيد القادم من المجتمع المدنى ومن بينهم، أعنى خالد على، لا يصلح، وحتى الآن يشتمون العواجيز، وإن كانوا لا ينقسمون بينهم الآن بل يقاطعون فى أغلبهم الأنشطة السياسية الخاصة بخارطة الطريق، وأول مظهر للمقاطعة كان الاستفتاء على الدستور السابق، رغم ما فعله الإعلام من حشد وتحشيد. الوزارات المتعاقبة لم يكن بها أحد من الشباب، وكانوا يستطيعون ذلك فى العام الأول للثورة. كانوا يستطيعون بالخروج فى جمعة واحدة مزاحمة العواجيز فى المناصب، بل إزاحة أكثرهم وزراء ومحافظين. ووزارات العواجيز لم تستطع أن تقدم شيئا يلفت النظر فى السياسة أو الاقتصاد أو غيره، بل أعلنت كلها منذ وزارة عصام شرف أنه لا أموال لدى الدولة، وهكذا، وكأن الثمانية عشر يوما فى يناير 2011 أنهت على كل الأموال، والله أعلم هل هربت مثلا كما سألنى سائق تاكسى. راحت فين الفلوس يا أستاذ اللى كانت ممشية البلد فى عهد مبارك؟ بل إن الوزارات وهى تعلن فشلها تترك وراءها آثارا سيئة على المستوى الاقتصادى والسياسى. فالوزارات الأولى تغافلت سد النهضة الإثيوبى، وهو يبدأ ويتقدم فيه العمل، وتقاعست عن استرداد الأموال المهربة إلى الخارج والوزارة قبل الأخيرة، تركت وراءها قانون التظاهر الذى لم يمنع التظاهر بل ساهم فى زيادته. أما الوزارة الأخيرة التى لم تنصرف بعد فبدأت العودة إلى عصر الفحم بسرعة، رغم أن بها مثل غيرها وزارة بيئة، لكن فيما يبدو أنها مثل نظام مبارك ترى الشعب نفسه «بيئة». سوف تنصرف هذه الوزراة ولن يبقى منها إلا الفحم. فى نفس الوقت لم يتم تفعيل اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، وتأخرت محاكمات قيادات الإخوان، وتتأخر فتعطى قوة للإرهاب الذى يعطى الإخوان بالتالى الثقة فى أن يعودوا يوما للحياة السياسية. فى الوقت الذى تجرى فيه محاكمات شباب يناير بسرعة فائقة. تجاوزت الدولة الجديدة العداء للإخوان إلى العداء لثورة يناير، فى الوقت الذى كبت فيه ثوار يناير عداءهم للإخوان، انتظارا للخلاص من الدولة الجديدة، كذلك تغافل الإخوان عن عدائهم القديم للثورة، وصاروا يرفعون شعارات كاذبة من نوع كنا معا فى الميدان ضد الفلول ونظام مبارك، ولم يكونوا أبدا مع الثورة، فهم أصحاب شعارات عديدة، منها يا مشير إنت الأمير أيام محمد محمود، وكانوا مستعدين لأى عمل، المهم الوصول إلى الحكم ثم التمكين. يتصور الإخوان أن ثوار يناير سينخدعون مرة أخرى، وللأسف لا يزال الكثير منهم يرى فى الإخوان فصيلا وطنيا. ويقدم الإخوان فى كل الأحوال أعظم هدية لأى نظام للقمع بما يرتكبونه من عمليات إرهابية وضيعة معروف أنها على طول التاريخ لم تخلف وراءها إلا نظما ديكتاتورية. فى الوقت نفسه مضت ثلاث سنوات، ولم يظهر فى مصر أى شخص فذ الموهبة فى أى عمل سياسى أو اقتصادى أو اجتماعى، كل الحلول التى تطرحها الوزارات المختلفة تقليدية ليس فيها أى ابتكار. والناس الآن تنتظر الرئيس الجديد كخلاص مما هم فيه، والرئيس الجديد لن يجد حوله على هذا النحو أيا من الموهوبين. كما أنه سيجد الأرض مليئة بدم الشهداء، لم ترتو بالقصاص، ولأن مجلس النواب ليس موجودا فسيصدر القوانين القمعية بحجة القضاء على الإرهاب، الذى طبعا لن يتوقف الآن. وهو، الرئيس، فى كل الأحوال لن يكون أقل من الوزير منير فخرى عبد النور، الذى يريد إصدار قانون يمنع الطعن على عقود الدولة مع القطاع الخاص، وهى كلها تقريبا عقود بيع لثروات البلد. ولم لا لقد تم تحصين لجنة الانتخابات الرئاسية، بما يتنافى مع الدستور، وسيتم تحصين عمل كل وزير بعد ذلك وليس مهما الدستور، وسيأتى الرئيس ليحصن نفسه وما يفعله أيضا، فهو ليس أقل من الوزراء، ومعتمدا على أن الثورة فى أنفاسها الأخيرة، وسيزداد الاحتقان فى البلاد.








مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة