صدق أو لا تصدق رئيس وزراء الدولة المصرية المهندس إبراهيم محلب يشرف مع ممثلى 15 قبيلة عربية «من سكان مصر» لإنهاء هدنة بين قبيلتى الهلايل العربية والدابودية النوبية، ووفق ما نشر فى كل أرجاء الدنيا أسفرت الوساطة عن هدنة بعد مفاوضات استمرت 12 ساعة، والغريب أن المتقاتلين لم يجلسوا على مائدة مفاوضات واحدة بل فى مكانين مختلفين «مثل مفاوضات الكيلو101بين مصر وإسرائيل بعد حرب أكتوبر 1973» ووفق مانشرت «اليوم السابع» تضمن الاتفاق 10 بنود، أهمها: «تسليم المتهمين، من الجانبين، ودفن الجثامين، والأخطر «تسيير دوريات مشتركة من الجيش والشرطة!!» أى واللة الدولة أو قل ما تبقى منها تمكنت أخيرا من أن يسمح لها الهلايل والدابوديون بتسيير دوريات من جيشها وشرطتها، وقبل أن تنتهى هدنة وقف إطلاق النار استكملت الحكومة مسلسل الحلول العرفية، وقام الإمام الأكبر شيخ الأزهر مشكورا بلقاء الطرفين واتفقا على التهدئة، وكأننا للأسف تحول دور الدولة من إقرار القانون إلى جهة مشرفة ومنسقة بين مواطنيها مثل الأمم المتحدة، ويا خفى الألطاف نجنا مما نخاف!
النوبيون يطالبون بإقالة المحافظ:
المدهش أن المواطنين النوبيين كانوا قد حذروا سيادة المحافظ منذ خمسة عشر يوما قبل الأحداث، يؤكد ذلك بيان أصدره أعضاء مجلس إدارة نادى النوبة العام، جاء فيه: «حين تعلو لغة الدم ويسال فى أرض الحضارة والسلام والأمان وحين يتم التمثيل بجثامين الموتى، إذن إننا أمام غياب كامل للدولة ومؤسساتها بدءا من وزارة الداخلية التى تختص فى المقام الأول بحماية المواطنين، ومرورا بوزارة الصحة التى تختص بعلاج المواطنين، ووزارة التربية والتعليم التى تختص بتعليم العقول وتهذيب الأفكار، وهذا هو ماتفتقده تماما منطقة النوبة المصرية» واتهم البيان وزارة الداخلية بالتقصير فى الأحداث الأخيرة فقال: «وفى الحادثة الأخيرة التى راح ضحيتها العديد من أبناء قرية دابود نشير أيضا إلى الدور السلبى لوزارة الداخلية وتقاعسها عن أداء واجبها مما أدى إلى ماحدث حيث تعود أصول الموضوع إلى احتضان أحد ضباط الداخلية «مسؤول سابق بمكافحة المخدرات» مجموعة من البلطجية، وتجار المخدرات الذين قاموا بترويع أهالى دابود بل ومعظم القرى بالسلاح الآلى الذى لم تعهده قرى النوبة من قبل تحت رعاية وحماية أحد ضباط الداخلية.
«ضحية قتلت ضحيتها» - محمود درويش:
الفقراء دائما هم أول الضحايا، بنو هلال قبيلة نازحة من شبه الجزيرة العربية، استوطنت قنا، وانتقلت منها خلال الخمسين سنة الماضية إلى أسوان، لم يستفد الهلايل من السلم الاجتماعى الذى تربع عليه أغنياء القبيلة، ولا من الحكومة التى لم توظفهم فى الوظائف الحكومية، لذلك لم يكن أمام أغلبيتهم سوى العمل بالتجارة، وضمت العديد من المهنيين الأفاضل «تتجاوز القبائل العربية بمصر الأربعين قبيلة، ويعد المواطنون المصريون من أصول عربية 17 مليون مواطن» وشأنها شأن باقى القبائل العربية يعانى فقراؤها مرتين، مرة بسبب التمييز القبلى، وأخرى بسبب التمييز من الدولة، أو يكونوا تحت إمرة النظام لضرب معارضيه، وكما تقول المحامية صفاء زكى مراد أن بعض أبناء تلك القبيلة استخدمهم النظام الإخوانى من قبل، وهم يقومون الآن بعقاب أهل النوبة على مواقفهم المؤيدة لثورة 30 يونيو، وربطت صفاء زكى مراد بين افتعال هذه المذبحة وبين لقاء سبق المذبحة بأيام بين المشير السيسى وقيادات نوبية، ونشرت «اليوم السابع» تفاصيل ذلك اللقاء حيث أبدى المرشح الرئاسى السيسى تفهما لمطالب أهل النوبة. وكأن المحامية صفاء زكى مراد تشير إلى أن التنافس التاريخى بين الهلالية وأهل النوبة قد فجره ذلك اللقاء، ولن أذهب بعيدا فقد سبق عقاب المواطنين المصريين الأقباط عقابا جماعيا فى المنيا ووسط الصعيد بعد موقفهم القيادى فى ثورة 30 يونيو، والمشارك فى انتفاضة التفويض فى 26 يوليو، وكلنا نتذكر المذابح وحرق الكنائس الخ.
أمة فى خطر:
من مقتل مارى على الهوية الدينية فى عين شمس، وصراع الهلايلة والنوبيين فى أسوان، لاداعى لدفن رؤوسنا فى الرمال، جسد الوطن قد أنهك، من أخفى علته قتلته، ومنذ 1994.. عشرون عاما، حذرنا فى مؤتمر الملل والنحل والأعراق من هذا المرض، وفى مطلع الألفية الثالثة كتب الباحث البارز نبيل عبدالفتاح بحث «سياسات الأديان» أكد فيه على أن العمر الافتراضى لعوامل الاندماج القومى قد انتهى، ولم يلتفت أحد،وحدثت بعد تلك التحذيرات العديد من المذابح لأقليات دينية وعرقية: على سبيل المثال لا الحصر، ما حدث للمواطنين المصريين الأقباط «فقط عشر مذابح فى عصر مبارك» سبق أن كتبتها فى مقالات فى «اليوم السابع»، وأيضا ما حدث للبهائيين فى إحدى قرى سوهاج، وفوجئنا بعد ثورة 25 يناير نتيجة الخلل الهيكلى فى بنية الدولة بماسبيرو وأطفيح ومنشية ناصر وإمبابة، والله ستر، وإبان حكم مرسى والتحريض المعلن والعنصرى على الأقباط الشيعة والنوبيين، وحدث مقتل الشيخ الشيعى شحاتة ومريدية والتمثيل بجثثهم ببشاعة، وأسرعت الأقليات قبل غيرهم بالخروج فى 30 يونيو، وأعطت التفويض الشهير فى 26 يوليو، ولكن الجماعات الإرهابية الإخوانية استهدفت تلك الأقليات بالأساس أكثر من غيرها، وأعلنت الحرب كل الحرب على الدولة المصرية، استهدفت القوات المسلحة والشرطة والسياحة، وشمل الاستهداف الأقباط، وحرق كنائس وممتلكات وقتل أنفس والتمثيل بجثث مثلما حدث فى دلجا مع إسكندر طوس، وبعدها بدأت طوابيرهم الخامسة تعبث فى الجسد المصرى المنهك، وشاهدنا ما حدث بين قريتى الحوارتة ونزلة عبيد بالمنيا «استخدم الأقباط السلاح لأول مرة للدفاع عن النفس» وكتبت هنا أيضا وحذرت ولم يلتفت أحد، والآن اضطر المواطنون المصريون النوبيون اضطرارا إلى حمل السلاح دفاعا عن النفس، ألا تدركون معنى أن يحمل النوبيون ومن قبلهم الأقباط السلاح دفاعا عن النفس؟
باختصار يعنى هذا أن التنكيس الذى كان يجب أن يحدث، ولم يحدث، بعد تحذير نبيل عبدالفتاح، أدى بعد زلزال 25 يناير إلى سقوط جزء من الأساس للوطن، هل ربط أحد بين تأييد الأقباط والنوبيين لـ 30 يونيو وبعدها لترشيح السيسى وبين ذلك العقاب الجماعى؟ هل ربط أحد بين لقاء الوفد النوبى والسيسى وبين حملة التأديب، بالله عليكم لا تقولوا لى تفاصيل خائبة، الوطن والأمة فى أشد الخطر، ولا إعمال قانون ولا تنمية، ولا حلول غير الحلول العرفية، وتلك القبائل لها امتدادات جنوبا وغربا، والسلاح فى متناول الجميع، وهذه المرة أحذر من «الفيدرالية» التى ربما تكون الحل، اللهم إنى قد أبلغت اللهم فاشهد.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة