أيام حرب بوش الابن ضد العراق، شاعت نكتة عن أن جورج بوش عقد مؤتمرا صحفيا، أعلن فيه أن الحملة ضد الإرهاب سوف تتضمن قتل خمسة ملايين عربى ومسلم متهمين، وطبيب أسنان واحد، وفى المؤتمر انشغل الصحفيون والمراسلون بالبحث عن اسم وعنوان طبيب الأسنان، ولم ينشغلوا بالملايين الخمسة المعرضين للإبادة.
النكتة كانت تعنى أن الإعلام يركز عادة على الشاذ وليس على القاعدة.
هى ظاهرة بشرية وليست حكراً علينا، وإن كانت عندنا زيادة عن اللزوم، جرت العادة فى كل عملية سياسية أن يخوض المرشحون حروباً يستخدمون فيها كل الأسلحة حتى لو كانت الشائعات والاتهامات، وأيضاً تكون هناك نماذج لمرشحين يواصلون الترشح والخسارة، ويصرون على الاستمرار.
فى كل دول العالم هناك برامج سياسية جادة، وأخرى فنية، وبرامج للمنوعات، والتسالى، والنميمة والإثارة، ولا مانع من بعض التسلية واللت والعجن. وفى عالم السينما هناك أفلام جادة وأخرى نص لبة، وثالثة للإثارة والأكشن.
وهذا كله فى الأحوال الطبيعية، يحتاج الناس لبعض الهجص مع بعض الجدية. لكن عندنا الأمر مختلف.
الوجبة الرئيسية فى السياسة هى التهجيص والمهجصين، تحتل الشتائم والشائعات الوجبة الرئيسية، أما الجدية فغالباً تصنف على أنها نوع من ثقل الدم.
أنظر حولك وتأمل تجد أن المرشح الشتام والهجاص وصاحب أعلى إفيهات، هو الأكثر مشاهدة، وهى ظاهرة تغرى أحيانا المرشح الجاد ينشغل بالبحث عن عيوب خصمه، وليس عن مميزاته الخاصة.
ربما لأن الأكثر ضجيجا هو الأكثر ظهوراً. ونرى المرشح المنسحب أشهر من المرشح الجاد، والمرشح الكوميدى المتنطط أكثر شيوعاً من المرشح الطبيعى.
كل هذا يمكن أن يكون طبيعياً، لكن مع إننا فى وضع انتقالى، ننشغل بكل ماهو كاراكتر فى السياسيين، ومن هو أعلى صوتاً وأوسع ضجيجاً.
والنتيجة أن السياسة أصبحت تسير على شعارات كانت شائعة فى عالم الفن، حيث الممثل «الكاراكتر» الذى يجيد دور الشر مرة، يصبح شريراً للأبد، ونفس الأمر بالنسبة للكوميدى أو الإفيهاتى، وشاعت جملة «عيش كاراكتر تشتغل أكتر».
وبعد انتقال المبدأ لعالم السياسة.. أصبحنا نرى المرشح الشرير ومرشح الإفيهات، وناشط الاتهامات، ورجل التسريبات. وأصبح الكاراكتر هو القاعدة، بينما الاستثناء أن تجد مرشحاً أو سياسياً جاداً يخلو من نسبة التسريبات. وهو طبق اليوم وكل يوم.