لدى المصريين قدرة فائقة على تحويل الأزمات إلى مادة للسخرية والفكاهة، ولعل المتنبى أقدر من عبر عن هرمون السخرية المضحك المبكى عندما قال «وكم ذا بمصر من مبكيات.. ولكنه ضحك كالبكا»، وفى المأثور الشعبى «شر البلية ما يضحك».
وأكبر مثال على ذلك ما حدث بمدينة المحلة الكبرى، قلعة صناعة النسيج فى مصر، والتى قال عنها عبدالناصر: «حلمت بأن المحلة تصدر للعالم كله نسيجها، والأمريكان والروس يتقاتلون على منتجاتها»- انظروا أحلام الرؤساء - هذه المدينة العملاقة التى عبر أكثر من روائى عن سبيكتها الوطنية، ومشهد الصباح والعمال والعاملات يذهبون جميعًا للمصانع فى طابور عشوائى منظم يوحى ويجسد عبقريتها وثرائها الإنسانى والإبداعى، حتى قال فؤاد حجازى يومًا، أديب المنصورة العظيم، كأن أهلها يتنفسون فى لحظة واحدة شهيقًا وزفيرًا.. هذه المدينة مر عليها كل ما مر على مصر من نكسات فى العقود الأربعة الأخيرة.. انفتاح ساداتى كان بداية التفكيك، ثم تدمير متعمد من نظام مبارك، ثم تعمد للانهيار من حكومة عاطف عبيد وأتباعه، وهذه النكسات جعلت المدينة تشيخ وتتهاوى بعد أن كانت فتاة فتية تسر الناظرين، ولعل انتفاضة أهلها فى إبريل 2008، وثورتهم ضد نظام مبارك، هذه الثورة التى ركبتها مجموعة شباب استثمرت الحدث ونسبته لنفسها، كان خير دليل على أن مخزون الغضب قد بلغ سنامه، وأن المدينة قادرة على ضرب الأمثال فى المقاومة والعطاء الوطنى، لذلك أرى أن حادث فضيحة مدرب الكاراتيه المنحرف جنسيًا وتضخيمه إعلاميًا محاولة لتشويه وجه هذه المدينة وأهلها، وأقول هذا وأسمع من يلقى كرة الاتهام نحوى باعتبارى واحدًا من صناع المطبخ الإعلامى، ولا أعفى نفسى من المسؤولية مع الزملاء، لكن لأذكر نفسى والآخرين لعل الذكرى تنفع المؤمنين، أقول إن هذا الكابتن أخذ أكبر من حجمه، سواء لدى أهل المحلة أو صناع الإعلام، ويبدو أن المحلاوية كانوا يبحثون عن فضيحة بعد أن ران الخراب على مصانعهم، وكسدت تجارتهم، وأصبحت الحكاية مسخة ونكتة بايخة، حتى أنهم غيروا اسم نادى بلدية المحلة إلى نادى 25 دلالة على عدد 25 سيدة مارس معهن اللاعب الجنس، وصورهن داخل صالة الكاراتيه التابعة للنادى، بل وصل الأمر لمعايرة البعض لأصحابهم بأسماء النسوة الساقطات على سبيل الهزار، وخصصت بعض المقاهى مواعيد ليلية لعرض الأفلام البورنو التى صورها لاعب الكاراتيه لنفسه مع الساقطات، والمستفز أنه يقول فى التحقيقات «دى حياتى وأنا حر فيها»، وهذا قمة الفجور، وأنا هنا لا أناقش منطقه، لكننى لاحظت مما يرد إلىّ من حواديت أن هذا الحادث أصبح فتنة تهدد بخراب بيوت، وتتسبب فى معارك على النواصى، وفى مواقف السيارات، وأمام المقاهى بالمحلة، وهو ما يحتاج من أهلها إلى قدر من التأمل والرويّة، وأقترح أن تتحول المساجد إلى منابر توعية نفسية ودينية حول هذا الموضوع، لإطفاء جذوة الفتنة التى ساهم فى إشعالها - للأسف وللمرة المليون- أعضاء الجماعة الإرهابية، حيث كانوا أول من بث الفيديوهات على صفحاتهم وعلى مواقع الإخوان، وعندما شن عليهم النشطاء هجومًا مسحوها من المواقع المباشرة، مثل موقع حزب الحرية والعدالة بالمحلة، ونقلوها لصفحات تابعة لهم بصورة غير مباشرة.. ملخص القول أتمنى أن يغلق المحلاوية هذه الصفحة، ويعودوا للعمل الجاد والإنتاج، ويناضلوا من أجل استعادة مدينتهم الأيقونة والرمز للصناعة الوطنية، ليس فى قلب الدلتا بل فى مصر كلها.
مشاركة
اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
مشاركة
لا توجد تعليقات على الخبر
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة