لم يحدث طيلة حياتى المهنية أن وجهت خطاباً لرئيس، ذلك أنى لم أختر أبدًا رئيسا، وهو على كل حال كان واحدا منذ أن وعيت، ولكنى فى غضون أسابيع سأختار رئيسا بإرادتى الحرة، وبغض النظر عن النتيجة فإنى سأوافق عليها مقدما، وبالتالى فأنا المواطنة الموقعة أعلاه أطلب الآتى من الرئيس.
سيادة رئيس مصر القادم.. أمانة عليك أن يكون همك الأول والأخير هو المحليات التى قال عنها سالف الذكر غير المأسوف عليه الدكتور زكريا عزمى بأن الفساد، اسم الله عليه، وصل فيها للركب، وهو آنذاك كان قد وصل لمنابت الشعر، ولكن الرجل لم يكن يحب أن يصدم الشعب، فاكتفى بالرُّكب وكلنا يعرف معنى وجع الركب، أما وقد مرت سنوات منذ وجع الركب، فهذا معناه أن الأمر يحتاج لبتر وربنا يستر.
سيادة الرئيس.. فى دول العالم المتقدم يكون مدرسو الحضانات والمرحلة الابتدائية هم أفضل العناصر وأعلاها خبرة مقارنة بمدرسى الإعدادى والثانوى، لأنهم يدركون أن أهم مرحلة تكوين هى البذرة، وبهذا المنطق فإن المحليات هى بذرة الإصلاح، فلتضع لها أفضل الخبرات ولتختر لها أقوى الكوادر ولا تجعلها كالسابقين مكافأة نهاية خدمة كما كانت بالنسبة لمبارك، أو وسيلة تمكين كما كانت بالنسبة لمرسى، بل اجعلها أصل الإصلاح لأنها بيت الداء.
سيادة الرئيس القادم.. قبل ثورة يناير بعدة أشهر تم هدم إحدى الفيلات فى الشارع الذى أقطن فيه وبدأ بناء عمارة سكنية مكانها، وفوجئت بأن البنائين يحفرون لهذه العمارة ببروز يأخذ من شارعنا الصغير عدة أمتار، ولأنى مواطنة إيجابية لا تترك حقها فى الوقوف أمام ما تراه خطأ ولم أكن أنتظر ثورة ولا غيره لأفعل ذلك، ذهبت للمسؤول عن الموقع ونبهته إلى أن ما يفعلونه هو سرقة من الطريق العام الذى هو حق لى وللجميع وليس ملكية خاصة، فنظر لى الرجل بتعجب واستهانة وكأننى مجنونة ولم يرد، فقررت أن أبحث عن صاحب العمارة لأحدثه فوجدت وكيلا له نبهته للسرقة الذى تتم فى وضح النهار، فقال لى: «معلش يا مدام ما كله بيسرق» وهو ينظر لى بذات نظرة التعجب والاستهانة التى رمقنى بها المقاول المسؤول، فقررت ألا أترك حقى وأيأس كعادة أهل بلادى فاتصلت بالسيد رئيس الحى مباشرة وقدمت له نفسى على أنى مواطنة أشكو له سرقة مواطن آخر مال عام وحق لى، فانتفض الرجل للحق وزعق بعلو صوته ونادى على أحدهم وأملى عليه العنوان الذى أعطيته وقال له أن يتصرف، شكرت رئيس الحى وقلت فى عقل بالى ها هو رئيس حى كان يحتاج لمواطن إيجابى ليصلح الخطأ، وانتظرت يوما واثنين وأنا أمر إلى جوار موقع البناء وأنظر إليهم ولا شىء تغير وأقول يمكن الحملة فى الطريق.. الصبر.. ولم يطل صبرى فعدت لأحدث رئيس الحى ثانية، وحدث كما المرة الأولى أرغى وأزبد ونادى على فلان، وهكذا مرات ومرات إلى أن اتصلت به للمرة الأخيرة لأقول له: يا سيادة رئيس الحى من تنادى عليهم فاسدون وبيخدوك على قد عقلك، لأن الوضع كما هو وأصبحت أسكن فى شارع شبه مسدود. فرد على بهمة ونشاط وقال: أبدًا الحملة على البناء المخالف بجوارك تنزل وتذهب وتقيد الشكوى كل مرة ونحصل الغرامة.. غرامة- ده أنا اللى بقول- غرامة إيه يا سيادة رئيس الحى حضرتك تحصل غرامة والبناء سرق الرصيف والشارع وأنا أخدت صابونة؟.. صمْتٌ على الطرف الآخر ثم يرد رئيس الحى: «والله هو ده القانون».
قانون أعرج وأخطاء متراكمة وفساد متبجح بدأ من حضانة الوطن المحليات، وحين أسمع رئيس حى الآن على الشاشات يقول إن نظافة الأحياء خارجة عن قبضته لأنها تتبع هيئة النظافة ولا يستطيع أن يجازى موظفا بها لتقصير أو خطأ، وهو ده القانون!
سيادة الرئيس المرتقب.. قد يبدو إلى جوار هموم الوطن الكبرى الحديث عن المحليات ومهامها كأننى أتحدث عن أولى حضانة فى سلم التعليم، ولكن تأكد أن أولى حضانة كما تربى النشء تربى الأوطان والمواطنين، فلتبدأ بأولى حضانة إذا أردت أن تنجح وننجح معك.. فرحلة الألف ميل فى الحياة تبدأ من أولى حضانة.