المجانين وحدهم هم الذين يمشون فى الشوارع دون انتظام، يشتمون الجميع ويسبون الجميع، ويهاجمون الجميع غير عابئين بمستقبل، ولا مهمومين بآت قريب، فما بالنا وقد تحولت حياتنا إلى سلسلة متكاملة من البذاءات المعلنة والمخفية، ولماذا أصبحت البذاءة هى اللغة الرسمية التى يتحدث بها الشعب المصرى.
سبق وحذرت سابقا من حملات التشوية التى تطول الجميع، وقلت إن تلك الحملات لا تستهدف إلا تشويه جميع القيادات السياسية بالشكل الذى يمهد لتفريغ المجتمع من سياسييه، ونعود كما كنا خانعين مستسلمين لحفنة من أصحاب المصالح الذين يحتكرون الماء والهواء، لكن للأسف كانت دعوة مهدرة، لم يستمع إليها أحد، واتخذ الجميع من التشويه منهجا، ومن البذاءة ديدناً حتى وصل الأمر إلى اعتبار البذاءة واجبا دينيا، أمر به الرسول ومارسه الصحابة، ونما به الإسلام وعلا!
لا ألوم هنا على جماعة الإخوان وأشياعها، لا لأنهم لا يستحقون اللوم، لكن لأنهم تعدوا تلك المرحلة بمراحل، وقد صرت على يقين ثابت بأن الأمراض النفسية استبدت بهم، لكنى لاحظت فى الآونة الأخيرة أن الجميع أصبح هدفا للبذاءة، فبعض أنصار المشير السيسى لا يكادون يسمعون اسم المرشح الرئاسى حمدين صباحى، حتى يكيلوا له الشتائم، مرددين كلمات الإخوان وشائعات الإخوان وافتراءات الإخوان، وللأسف أيضا أصيب بعض الشباب الثورى بلعنة هدامة، متخيلا أنه كلما هتف «يسقط يسقط حكم العسكر» علت أسهم ثوريته، وأصبح شجاعا وبطلا، أضف إلى هؤلاء حزب اللامبالاة الذى لا يعجبه أحد، ولا يؤيد أحدا، رافعا رايته السوداء التى لا يرى العالم إلا من خلالها، وهكذا أصبحت مصر مرتعا لمجانين الحياة السياسية، وسوقا كبرى لمحترفى البذاءة بكل أصنافها «دينى، وطنى، ثورى، سوداوى».
لا أحلم هنا بأن نعيش فى عالم مثالى خال من كل ما يشين، لكن من حقى أن أحلم بأن نتبادل الطموحات لا الاتهامات، وأن نعيش فى معارك سياسية حقيقة يكون الخلاف فيها حول الأصلح للوطن، والأنفع للمواطن، وأن يؤيد كل واحد منا من يريد، دون أن يشعره «آخر» بأنه خائن أو عميل أو كافر ودون أن يصيبه وصف طائش، فيصبح الإحباط موطنا يقتل الجميع.