فى غمرة انشغالنا بالهم السياسى لمدة تزيد على ثلاث سنوات، نسينا الأدب وحلاوته، وهجرنا الفن وجماله، وتورطنا فى ملاحقة الوقائع والأحداث السياسية المتسارعة والمتناقضة التى جعلت مصر فى مهب التاريخ، وهكذا صدرت كتب وروايات متميزة لم نحتفل بها ولا بأصحابها، وأقيمت معارض فلم يزرها إلا حفنة من المتابعين، ونظمت عروض مسرحية بديعة لم يجد أبطالها من يصفق لهم!
أما الصحف والقنوات الفضائية فقد خاصمت النشاط الثقافى أو كادت، وصار المبدعون أيتامًا على موائد السياسيين، وتبوأ عرش النجومية الناشط السياسى والمحلل الفضائى «نسبة إلى الفضائيات». وهكذا فوجئنا بأن ضيوف المساء والسهرة فى الفضائيات استولوا على عقول الناس وعيونهم، حتى بات «رشاد المنزلاوى» أهم ألف مرة من نجيب محفوظ، و«منتصر الزعبلاوى» أشهر من عبدالحليم حافظ، و«أيوب الزفتاوى» أفضل من أحمد عبدالمعطى حجازى.
أعرف جيدًا أن الثورة تجب غيرها من الأحداث، وأن الشعوب الثائرة الطامحة فى العدل والحرية تؤجل اهتماماتها المعتادة حتى تظفر بأحلامها، ولكنى أتهم كثيرين تعمدوا الاستخفاف بالإبداع، وتمادوا فى السطو على عقول الناس، حتى نسينا أن رجلًا بقامة أحمد عبدالمعطى حجازى يعيش بيننا.
أجل.. فهذا الشاعر الرائد سيكمل عامه التاسع والسبعين فى يونيو المقبل، وقد أحسنت الهيئة المصرية العامة للكتاب حين قررت إصدار أعماله الكاملة قريبًا، فحجازى شاهد على عصور بامتياز، وهو يعد أهم شاعر مصرى وعربى مازال حيًا بيننا، يأكل الطعام، ويمشى فى الأسواق، كما أنه يساهم بنصيب معتبر فى إثارة الأسئلة التى نحتاج إليها منذ عاد من منفاه الاختيارى بباريس عام 1991، من خلال مقاله الأسبوعى بالأهرام.
لقد وقف صاحب «مدينة بلا قلب» بصلابة أمام أصحاب الفكر الفاسد الذين هبطوا علينا من القرن الثامن عشر ليستولوا على عقولنا فى القرن الحادى والعشرين، وقد ثابر الرجل- ومازال- فى فضح منطقهم المعوج، وأفكارهم المعطوبة. وقد أوتى حجازى الكثير من المهارات اللغوية، حيث يمتاز بأسلوب آسر، تتألق فيه العبارة، وتصفو فيه الجملة، وتضىء الكلمات.
أستاذ حجازى.. رعى الله أيامك ولياليك، ودمت لنا شاعرًا مجددًا ومفكرًا عظيمًا.
عدد الردود 0
بواسطة:
عبدالرحيم
الشكر
أشكرك على هدا الكلام الطيب وشكرا