على أرض سوريا حيث تمتلك المجموعات القتالية التابعة للقاعدة الرجال والمال والأرض أعلنت دولة العراق فى سوريا والشام «داعش» الدولة الإسلامية، واعتبرت أميرها أبوبكر البغدادى أميرا للدولة الإسلامية الجديدة، وعلى الجميع أن يذعن له، وأن يقدم له واجب السمع والطاعة. جبهة النصرة التى تتبع تنظيم القاعدة فى سوريا رفضت ما يريده أبوبكر البغدادى وداعش، واعتبرت أن سوريا هى مجال عملها وجهادها، وأنه لا سلطان لأبى بكر البغدادى عليها، خاصة وأن أغلب تنظيم جبهة النصرة من السوريين، وأنهم يقدرون الواقع السورى بشكل مختلف عن «داعش» ذات الطابع الأممى التى لا تعرف تفاصيل الواقع السورى.
لا توجد فى الواقع دولة إسلامية فى العراق والشام، وإنما هى مجموعات سلفية جهادية متشددة كانت مسجونة لدى النظام السورى، تم الإفراج عنها مع بدايات الثورة السورية، وذلك لإرباك عمل الثورة السورية، وأخذها إلى متاهات العمل السلفى الجهادى القتالى، والمعسكر الذى يوصف بأنه إرهاب، ولأن النظام لم يستطع أن يصم الثورة فى سوريا بأنها طائفية، فقد أراد أن يصمها بأنها إرهاب تمارسه تلك المجموعات السلفية المتطرفة. ظلت القاعدة تمثل مظلة واسعة لمن يحمل أفكارها، وظهر ما نطلق عليه «أخوات القاعدة» من التنظيمات المختلفة التى كانت تحمل فكر القاعدة، ولكنها تمارس عملها فى مناطق مختلفة مثل جزيرة العرب والعراق والمغرب الإسلامى، وكانت القاعدة تسعى لإدخال تحالفات أوسع داخلها، لكنها لأول مرة تواجه الانقسام على أرضية اختراق النظام السورى لداعش فى العراق وسوريا، وتوجيهها بما يشيع الفوضى وأعمال القتل الوحشية باسم الشريعة الإسلامية، وباسم طاعة الأمير، وباسم أن الأمير هو الذى يمارس عمل خليفة المسلمين التى يجب طاعته بشكل مطلق، وإن جلد ظهرك وأخذ مالك. اتجهت «جبهة النصرة» كما هو معلوم لمركز التنظيم فى منطقة وزيرستان ولأميره العام «أيمن الظواهرى»، الذى انحاز لموقفها، ورفض إعلان ما يطلق عليه دولة إسلامية دون امتلاك مقوماتها، وأسبابها، ومن ثم اصطناع حالة إمام يجب أن تطيعه جميع التنظيمات الأخرى، بما أنه هو من أسس للدولة الإسلامية تلك، كان المتحدث باسم «داعش» أبومحمد العدنانى قد قال إن القاعدة لم تعد قاعدة الجهاد، وإنما صارت معولا لهدم مشروع الدولة الإسلامية والخلافة القادمة، بينما رد أيمن الظواهرى بقوله إننا نركز فى قتالنا على الأمريكان والصليبيين والصهاينة وعملائهم، ولا نقصد سفك دماء الناس فى الأسواق والمساجد والأحياء، كما لا نقصد سفك دماء المجاهدين، ويقول إن طاعة الأمير ليست مطلقة ولكنها مقيدة بطبيعة ما يوجهه إليك من أمر. نحن أمام امتحان يواجه القاعدة لأول مرة فى تاريخها، وهو انقسام أفرعها أولا حول طبيعة المشروع الذى تمثله، وثانيا حول لمن تكون الكلمة العليا للتنظيمات التى تملك القوة والقدرة أم تلك التى تلتزم بأحكام الشريعة ورسالتها، وثالثها حول الأدوات والآليات التى تستخدمها تلك التنظيمات لتحقيق مشروعاتها. كلما أوغلت «داعش» فى الدماء والقتل المفزع المحرم لمجاهدين ينتسبون للشريعة وللإسلام، فإننا بإزاء تنظيمات خوارجية تستبطن الأفعال الدموية والإجرامية، والتى تصبح جزءا من طبيعة أفرادها ومن طبيعتها هى، ومن ثم لا يمكن السكوت على نسبتها للإسلام والشريعة وهى إرهاب محض يبرر للنظام السورى ما يرتكبه من جرائم فى مواجهة شعبه. ملعونة هى تلك التنظيمات التى تجعل من دماء المسلمين والمجاهدين سلما لتأكيد قوتها وقدرتها التنظيمية.. المعلومات تشير إلى قتل أربعة آلاف فى الصراع الدائر بين جبهة «النصرة وداعش»، فإذا كانت تلك التنظيمات القاعدية قتلت ذلك العدد فى صراعها المتبادل فماذا أبقت من قوتها وقدرتها لقتال نظام الأسد ونصرة الثورة السورية؟!هذه تنظيمات مخترقة تمثل عبئا على الساحات التى تدخلها، وتأخذ بتوجهات الشباب المسلم إلى العنف والإرهاب، قد يكون جاذب العنف بتأويل دينى مغريا لكنه فأل شؤم على من يمارسه إن عاجلا أو آجلا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة