أول طلة لخالد حسين تخبرك أن الفتى يصعب تصنيفه كمخرب أو إرهابى أو حتى جندى أمن مركزى بملابس مدنية من الذى استهدفه إذن؟.. صورة خالد فى سيارة الإسعاف غارقاً فى دمائه وفى المستشفى يرفع علامة النصر تجبرك على احترام هذا الفتى الذى لم يمنعه الألم من رسم تلك الابتسامة المفعمة بالطيبة، رافعاً علامة النصر تخرق عينى من أراد أن يقطع حبل الحقيقة، إما متعمداً باستهداف شاب متحمس يحمل كاميرا التصوير بإخلاص، أو جاهلاً أعمته شهوة السلاح وضمن مقعده بين الجبناء المختبئين بين الأشجار ليصطادوا الأرواح كما يصطادون العصافير البائسة فى قراهم الفقيرة.. إذا لم تكن الشرطة هى التى أطلقت الرصاص الحى على الصحفيين المكلفين بتغطية أحداث الجامعات، فهى مقصرة أشد تقصير فى حماية الصحفيين والمدنيين وحماية جنودها أيضاً ممن تسميهم المخربين الذين يسعون لإثارة الفتنة وافتعال الاشتباكات بين الأهالى والأمن.
الحديث عن الداخلية يثير الشجن ليس لأن الأسود يليق بأمناء الشرطة فى الشتاء وهم يجمعون الإتاوات من سيارت النقل البيضاء، لكن الشجن مصدره أن العلة والدواء، المشكلة والحل، تكمن هناك فى ميدان لاظوغلى حيث المتاريس التى كانت خلال الأعوام الثلاثة الماضية عنوانا للثمن الذى دفعته وزارة الداخلية مقابل تسلطها وتعدى رجالها لمقتضيات وظائفهم، هذه المتاريس تحولت الآن إلى عنون لعودة الجبروت والتسلط والعناد وربما الجهل أيضاً، هذا الشجن تثيره حقيقة مريرة بأن حال مصر من أقصاها لأدناها يتلخص فى هذا الجهاز الأمنى الذى لو انصلح حاله لاختلفت مصر، ولو لم ينصلح فلم يعد فى جسم هذا البلد ما سيدعمه فى حال السهر والحمى.
للإنصاف فإن مقولة إن الشعب لم يمنح الداخلية شيكاً على بياض، تنقصها بعض الدقة، كنت واحداً من الذين يدافعون عن حق الشرطة بعد 30 يونيو فى الدعم المادى والمعنوى، فى حربها ضد خصم عنيد أعمته الدماء عن رؤية الواقع، ألا نعتبر هذا شيكاً على بياض؟.. فى ذلك الحين كان هذا الدعم مبرراً، والآن بعضه مطلوب، لكن لا يجب أبداً أن يمنعنا من رؤية الواقع الأليم، فمقابل هؤلاء الأبرياء الذى يستشهدون فى الكمائن وفى الأفخاخ المتفجرة وفى معركتهم مع الإرهاب والجريمة، هناك من يستحلون كرامة المواطنين ويعاملونهم باستهزاء يتجاوز حدود الإهانة، وفى المقابل هناك من يتكاسلون عن أداء أبسط المهام الموكلة إليهم» لو أن هناك رجلا رشيدا فى هذا البلد لتمت محاكمة مدير أمن أسوان على الأرواح التى أزهقت بسبب سلبيته وعدم تأديته لواجبه، ناهيك عن عدم احترامه لقيمة الإنسان».
فى مقابل هذا الجندى المثابر الذى يقف بالساعات فى الشمس ليحرس ممتلكات بلده أو ينظم حركة المرور، هناك من يتمرغون فى المكيفات خلف المكاتب ليخططوا كيف يجمعون أكبر قدر من المال مقابل التغاضى عن تطبيق القانون، هناك أيضاً من يحولون حياة المواطن جحيماً لكى يجبروه على أن يمنحهم أموالا مقابل إنهاء ورقة لا تستحق العناء..إذا أردت أن تكون خبيراً فى الرشوة عليك فقط أن تعيش يوما واحدا فى بعض إدارات المرور، إذا أردت أن تتذوق طعم الإهانة حاول أن تسأل الضابط المتكئ فى ونش المرور منشغلا بالتحدث فى المحمول، عن سبب عدم تدخله لتسيير الطريق، سيسمعك ما لا ترضى من القول وربما نالت السيدة والدتك نصيباً من الشتائم، إذا رغبت فى فقدان وطنيتك، جرب أن تدخل قسم شرطة لتستخرج شهادة ميلاد أو صحيفة حالة جنائية.
يلخص ما يجرى فى «الداخلية» ما تشهده باقى مؤسسات الدولة، من لا يخشى المحاسبة لا يعمل، ومن يتيقن أنه لا يوجد محاسبة من الأساس، يفسد من جذوره وحتى أطرافه، غالبية المواطنين يتحدثون عن الاستقرار، حتى ولو كان هذا الاستقرار مصاحباً لبعض التضييق الأمنى، والفساد الإدارى والكسل الحكومى، لكن إذا وجد المواطن كل هذه الأشياء مستمرة دون أن يرى استقراراً فهل تنتظرون منه أن يكون خاضعاً أو مستكيناً، كيف تريد الحكومة من الناس أن يكونوا مواطنين صالحين، وهى لا تستطيع أن تجبر موظفيها أن يتحلوا ولو بقليل من النشاط ويقظة الضمير، سنظل كمواطنين مقتنعين بأن هناك شرفاء فى دوائر الحكومة لكنهم أبداً سيظلون الفئة الأخفض صوتا طالما هناك قيادات فى الدولة تحمعى الظلم وترعى الفساد.