كثير من المصطلحات السياسية تستوقفنى، وخاصة القادمة من الأستاذ هيكل، وآخر تلك الإصدارات «مرشح الضرورة» الذى وصف به الأستاذ هيكل ترشح المشير السيسى، والحق هذا المصطلح بتنظير سياسى يوضح غايته، بأن مصر تحتاج للمشير السيسى فى هذا الوقت، وأن مجموعة من الاحتياجات منها الأمن القومى ومتطلبات الصراع فى المنطقة، والالتهاب الصارخ على الحدود مع غزة وليبيا والسودان، وإصرار جماعة الإخوان على انتهاج العنف فى الداخل واستدعاء الخارج الأمريكى والأوروبى للتدخل فى مصر، وغيرها من الأسباب، قد تجعل ترشح المشير السيسى ضرورة قصوى وبالتالى يفقد أى مرشح آخر فرصه فى النجاح، وقد تكون فرصه فى المنافسة من أساسه، وقد أتفق تماما مع ضرورات ترشح المشير وأنه قد يكون بحق مناسبا لتلك الفترة الانتقالية الصعبة، إلا أن تلك المظلة من المصطلحات قد تكون خطرا على مرحلة التأسيس للديمقراطية وتقصى الآخرين من المنافسة، حتى إن كانت دواعى الاختيار للمشير واضحة وجلية ويؤيدها قطاعات واسعة وطبقات عميقة من الشعب المصرى، وقد تدفع تلك المصطلحات والتأسيس لها لبزوغ طاقات اليأس المدمرة عند قطاعات أخرى من الشعب قد ترى أن اختيار الأستاذ حمدين صباحى ضرورة هى الأخرى، وقد يصنع اليأس من منافسة عادلة على هذا المقعد المهم وهو رئاسة الجمهورية طاقات عنف تنضم لعنف الجماعة الإرهابية نظرا لشعورهم بانسداد المسار السياسى، وعدم جدوى التنافس فيه نظرا لوجود «الضرورة» ولانتشار نعقات التخوين للجميع، وخاصة الذين يريدون ويعملون بإخلاص لرسم حدود وأطر للملعب السياسى بغض النظر عن اسم المرشحين، وكونهم ضرورة من عدمه، قد أرى فى ترشح الرئيس المنتهية ولايته الثالثة بوتفليقة من على كرسى متحرك وبسن طاعنة وبصحة تهالكت وشاخت وفى اعتلال واضح، عدة علامات ورسائل مهمة للداخل المصرى تساعدنا فى فهم ما حدث فى مصر وما قد ننتقل إليه فى المستقبل، علنا نستطيع تصحيح المسار، الرئيس بوتفليقة فى عهده أثناء التسعينيات حدثت هبة عنيفة جدا من الإرهابيين فى الجزائر، وذبح وقتل الآلاف من الشعب والشرطة والجيش، فى بلد سقط فيه مليون شهيد فى مواجهة المحتل الفرنسى سقط مئات الآلاف فى قضية اعتراك داخلى عنيفة بين الإرهاب والشعب، الشعب الجزائرى فى عمومه يتحدث العربية بصعوبة وبلكنة غريبة على العرب أنفسهم، الشعب الجزائرى يرتبط بحضارة أوروبا أكثر من ارتباطه بالحضارة العربية وخاصة الحضارة الفرنسية نظرا للجوار ولسنوات الاحتلال أيضا، الشعب الجزائرى أحواله الاقتصادية أحسن كثيرا من مصر وقدراته التعليميه الشعبية متفوقة فى المجموع العام عن مصر مع مراعاة النسبة والتناسب، الجزائر هى الجمهورية العربية الوحيدة تقريباً التى لم تدخل فى ثورة شعبية فى الفترة الأخيرة، كل تلك الملابسات وأكثر تحيط بالداخل الجزائرى، وقد تفسر استقرار الجزائر على نفس قواعد العمل السياسى القديم والذى انتفضت ضده مصر وسوريا وتونس وليبيا وغيرها، بغض النظر عن توابع تلك الثورات الشعبية من انقضاض الإسلاميين على الحكم وتشويه الثورة وما تبعه من محاولات عودة الأنظمة القديمة وتخوين كل رواد التغيير الذين رأوا وجوبية الثورة على تلك الأنظمة الفاشية، ولكننا فى النهاية قد نرى صورة الجزائر راكدة أكثر من اللازم ومتحجرة حتى يصل رئيس للحكم على كرسى متحرك مثل بوتفليقة المرشح والرئيس التاريخى، قد يكون توصيف الحالة حسب المثل المصرى «اللى نعرفه أحسن من اللى منعرفوش»، أو قد نصل لتوصيف مبارك نفسه الذى حافظ به على حكمه لمدة ثلاثين عاما وهو «يا أنا يا الفوضى» أو «أنا الاستقرار نفسه»، تلك هى مبررات مبارك السياسية التى ساقها لتقويض الحياة السياسية وإفساد محاولات التنافس معه، وكانت هى نفس المبررات بالضبط حينما حاول أن يحافظ على حكمه فى لحظات الثورة المصرية الملتهبة والحاسمة، كل مبررات التكلس والتحوصل تساق دائما باسم الاستقرار، وكأن التنافس وقواعد الممارسة السياسية التى تتطبق فى كل بلاد العالم حينما تأتى للعالم العربى ولكراسى الحكام التاريخيين تصبح سبة وجريمة، وهنا يكون اللاعب الأساسى هم جماعات المصالح الذين يقتاتون من تكلس الأنظمة وبقائها، ويجتهدون دوما لردم مخلفات فضائحهم المالية واستخدام النفوذ والسطو على الدولة، والذى يكون عنوانا وضروراته الأولى أن يظل الحاكم ويظل النظام السياسى محللا لفسادهم المالى والسياسى، لقد دفعت جماعات المصالح بالمرشح بوتفليقة لفترة رابعة لاستمرا نفوذهم ولتأصيل أواصر فسادهم وطغيانهم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة